واما الجهة الثانية : فالفرق بين الطبيعة والفرد هو : ان المراد بالطبيعة ذات الماهية مع قطع النّظر عن العوارض اللازمة لوجودها من زمان ومكان ونحوهما ، والمراد بالفرد هو الماهية المقيدة بهذه العوارض اللازمة. فمن يدعي ان متعلق الأمر هو الطبيعة يريد ان الأمر هو طلب وجود الطبيعة بذاتها من دون نظر إلى العوارض والمشخصات اللازمة لها في الوجود ، بحيث لو تصور ـ محالا ـ انفكاكها عن الطبيعة لم يلزم تحقيقها. ومن يدعي ان متعلق الأمر هو الفرد يريد ان متعلق الأمر هو وجود الطبيعة المتقيدة بهذه العوارض ، فهي دخيلة في متعلق الأمر ومقومة له.
وقد أوكل صاحب الكفاية معرفة صحة اختياره ، وهو تعلق الأمر بالطبيعة لا الفرد إلى مراجعة الوجدان فانه يقضي بذلك ، فان الآمر لا يجد في نفسه إلاّ إرادة ذات العمل من الغير مع غض النّظر عن العوارض اللازمة ومن دون تعلق غرض له بها أصلا ، بل ليس مطلوبه سوى الطبيعة بذاتها.
وبالجملة : فقضايا الأحكام في نظر صاحب الكفاية كالقضايا الطبيعية في غيرها في كون الحكم على نفس الطبيعة بما هي من دون ملاحظة دخل الخصوصيات اللازمة لوجودها فيها ، بل كالقضايا المحصورة فان الحكم فيها أيضا على الطبيعة ، لكن لوحظ فيها سرايتها في جميع افرادها أو بعضها.
وخلاصة رأي الكفاية هو : ان الأمر يتعلق بوجود الطبيعة من دون لحاظ تقييدها بالعوارض اللازمة من مكان وزمان وغيرهما. وإثباته لا يحتاج إلى برهان بل في مراجعة الوجدان كفاية (١).
ووضوح تمامية هذا الرأي بشئونه وعدم تماميته تظهر بالتعرض إلى كلمات غيره من الاعلام وتمييز صحيحها من سقيمها.
__________________
(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ١٣٨ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهمالسلام.