المحيط الذي سيكتشفونه فيما بعد من العجائب ، من عجائبنا التي بثثناها في الآفاق أو أودعناها في الأنفس.
ولقد كان الانسان يوم أنبأه القرآن بهذا الغيب ، وحين قطع الله له هذا العهد جاهلا لا يفقه من أسرار نفسه ولا من بدائع الكون الذي يحتضنه والآفاق القريبة التي تحيط به والاخرى التي تنآى عنه ، لا يفقه من ذلك إلا اموراً محدودة أدرك يسيراً منها بالحس ، وعلم شيئاً منها بالفطرة ، وأفاد قليلا منها بالتجربة ، وتلقن أكثرها عن أساطير القدماء وأحلام اليونان.
ثم تلت قرون وتبدلت شؤون ، واذا بالانسان هذا يقيم المراصد العظيمة ليعلم أسرار الآفاق ، ويعد الاجهزة العجيبة ليحصي حركات النجوم ويهيء المقاييس الدقيقة ليعرف أبعاد الكواكب ، ويضع الموازين الحساسة ليقيس سرعة النور ، ويبتكر الوسائل الفنية ليعين بها مدارات الاجرام في الحركة وزنة أحجامها في الكتلة ، وعدد عناصرها في التركيب ، واذا بالمراصد تبدي له من شموس الآفاق مالا يصل نوره الى الأرض إلا بعد ألف من ملايين السنين ، بعد هذه الآماد الطويلة يقطعها النور ، وقد أوضحت له مقاييسه التي ابتكرها واختبرها ان النور يقطع بسرعته في كل ثانية مئة وستة وثمانين ألف ميل.
واذا بالانسان يقف من نفسه موقف المتحسس
المتطلع ، يسبر اغوارها ويمحص طباعها ، ويتتبع غرائزها ، وينوع ملكاتها ويصنف أخلاقها ، ويبحث عن ينبوع كل خلق ، ويتقصى آثار كل نزعة ، واذا به يستحفي عن أجهزته وقواه ، وعن عضله وأنسجته ومصادر نشاطه وجزئيات تركيبه