واستمرت هذه الحركة العلمية الحلّية يشار إليها قرابة ثلاثة قرون ، ثم عادت إلى النجف في أواخر القرن العاشر الهجري ، بعد أن زالت أغلب المعوّقات التي كانت تقف أمام طلاب العلم من الابتعاد عن حوزة الأمّ « النجفية » ، وإن كانت ثمة حركة علمية بقيت تواصل عملها الحوزوي ولم تجمد جذوتها العلمية فيها (١).
وأيضا انتقلت الحوزة من النجف إلى كربلاء بين عام ١١٥٠ ـ ١٢٠٨ ه بسبب تمركز مدرسة الاستاذ الوحيد البهبهاني المتوفّى عام ١٢٠٨ ه (٢) ، وباتت مدرسته الاصولية معروفة بالعمق والنضج الاصولي ، بالإضافة إلى تمركز الحركة الفقهية بشخصية علمية موسوعية هامة احتضنتها تلك الفترة ، تمثلت بالعلاّمة المحدث الشيخ يوسف البحراني (٣) صاحب الموسوعة الفقهية المعروفة بـ « الحدائق الناضرة » المتوفّى عام ١١٨٦ ه.
واستمرت الحوزة العلمية في كربلاء تنتهل من هذين المنبعين المهمين قرابة سبعين عاما ، واستطاعت أن « تفتح آفاقا جديدة في الكيان
__________________
(١) لزيادة الاطلاع على الأسباب والعوامل التي أدت إلى الانتقال يراجع بحر العلوم البحث المتقدم ٥٣ ـ ٥٦.
(٢) المولى محمد باقر بن محمد أكمل الاصبهاني البهبهاني ، المولود في اصفهان عام ١١١٨ ه ودرس شوطه العلمي في بهبهان ، ثم انتقل إلى كربلاء واستفاد من أعلامها جولة علمية رشحته لتسنم زعامة الحركة العلمية فيها ، وباتت مدرسته الاصولية معروفة فيها حتى وفاته عام ١٢٠٨ ه. ترجمه الخونساري ـ روضات الجنات : ١٢٠ ـ ١٢٥ ( الطبعة الاولى ).
(٣) يوسف بن أحمد بن إبراهيم المنتهى نسبه إلى ابن عصفور البحراني ، ولد في قرية الدراز إحدى قرى البحرين عام ١١٠٧ ه ، وبعد الدراسة الأولية هناك انتقل إلى كرمان ثم شيراز ، ثم إلى كربلاء ليقيم فيها مدرسا وعالما ومرجعا ، وأكمل فيها موسوعته الفقهية كتابه « الحدائق الناضرة » حتى توفّي عام ١١٨٧ ه. ترجمه الزركلي ـ الاعلام ٨ / ٢١٥.