بعضها على بعض واقعاً على خلاف الحكم الثابت بالتواتر فوجب ان يكون الذاهبون الى ترجيح البعض على البعض مستوجبين للفسق ان لم يلزمهم الكفر كما ترى ان كل واحد من هؤلاء القراء يختص بنوع معين من القراءة ويحمل الناس عليه ويمنعهم من غيره وان قلنا بعدم التواتر بل ثبوتها من طرق الآحاد فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيداً للجزن والقطع وذلك باطل قطعاً.
والجواب عن ذلك بما ذكره شيخنا الشهيد الثاني الذي هو احد المشيدين لهذه المباني وهو ما اشار اليه سبطه هنا من انه ليس المراد بتواترها ان كل وما ورد متواتر بل المراد انحصار المتواتر الآن من القرءات فان بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن غيرهم كما حققه جماعة من هل هذا الشأن انتهى منظور فيه من وجهين :
(أحدهما) ما ذكره سبطه في الجواب عن ذلك من ان المتواتر لا يشتبه بغيره كما يشهد به الوجدان فلو كان بعضها متواتراً كما ادعاه لصار معلوماً على حده لا يشتبه ما هو شاذ نادر كما ذكره والحال ان الأمر ليس كذلك.
(وثانيهما) ما ذكره في شرح الالفية مما قدمنا نقله عنه فان ظاهره كون جميع تلك القراءات مما ثبت عن الله عزوجل بطريق واحد وهو ما ادعوه من التواتر وبالجملة فانه لو كان هنا شيء متواتر من هذه القراءات في الصدر الأول أعني زمن اولئك القراء او كلها متواترة لم يجز هذا التعصب الذي ذكره الرازي بين اولئك القراء في حمل كل منهم على قراءاته والمنع من متابعة غيره ...
(وثالثاً) وهو العمدة ان الوراد في أخبارنا يدفع ما ذكروه فروى ثقة الاسلام في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر عليهالسلام قال : ان القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن اختلاف يجيء من قبل الرواة ... (١).
ــــــــــــــــــ
(١) الحدائق الناضرة ج ٨ ص ٩٧ ـ ٩٨.