من الراوند أعني الذي يعرف بالصيني والزنجي والفارسي متقاربة الأفعال متشابهة القوى ، وإنما تختلف في أشياء من باب الأزيد والأنقص ، ولما كان الراوند الشامي بعيداً منها في كل شيء رأيت أن أجعل القول فيها واحداً مشتركاً هرباً من الإطالة بتكرير الشيء الواحد ، وأفرد للشامي قولاً واحداً فأقول : إن الراوند إذا امتحناه بالطرق التي عملناها من الفاضل جالينوس وجدناه مركباً من جواهر مختلفة ، وذلك أنا نجد فيه قبضاً ليس بالخفي يدل على جوهر بارد أرضي صالح المقدار وحدة وحرافة خفيتين يدلان على جوهر حار ناري ليس بالكثير ، ومرارة ليست بالخفية تدل على أن أفعاله الأرضية عن ناريته أفعالاً ما ، وخفة ورخاوة وهشاشة تدل على جوهر هوائي لطيف ، وما كان بهذه الصفات فالأغلب على جوهره اللطافة ، وعلى مزاجه الحرارة واليبس اللذان ليسا بالقويين ولا المفرطين ، لكن القريبين من التوسط ولذلك يكون له من الأفعال الكلية والشبيهة بالكلية أما الأوائل منها فبالتسخين والتجفيف اللذين في الدرجة الثانية من درجاتها ، وأما الثواني منها فبالتحليل والتلطيف للمواد والرياح الغليظة والتفتيح للسدد والجلاء والتنقية للمجاري والمنافذ والتجفيف للقروح الرطبة الرهلة ، وإنما صارت أفعال الجوهر البارد القابض الذي فيه تظهر منه قوية وإن كان ممزوجاً بضده ، لأن هذين الجوهرين لا يتمانعان ولا يتضادان في أفعالهما ، لكن الجوهر الحار منه يتفرق الجوهر البارد الأرضي منه ويوصله إلى الأعماق والأقاصي فتقوى بذلك أفعاله وما ظهر فيه من طول التجارب من البادزهرية والتخليص من سم ذوات السموم من الهوام. وقد نص ديسقوريدوس على أن في الراوند قوة بادزهرية ، فأما قوّة الإسهال فلم يتفطن لها أحد من القدماء ولا وقع عليها حل من أتى بعدهم من المحدثين ، وإنما شعر بها من كان منهم أقرب إلينا عهداً ، وخاصة من أهل بلادنا وليس إنما ينقى من هذين الخلطين الرقيق كما يظنه قوم من عوام الأطباء ، لكن قد صح أنه ينقي البدن منهما على اختلاف صنوفهما ويفش ضروبهما حتى البلغم اللزج والخام ، وينفع من كثير من الأمراض المتولدة عنهما ، وأما أفعاله الجزئية : فالراوند إذا شرب يقوي الكبد والمعدة والمعى والطحال والكلي والمثانة والرحم ، وبالجملة سائر الأعضاء الباطنة تقوية بالغة ، ويفتح سددها ويجفف رطوباتها الفضلية الفاسدة ، ويزيل ما يتولد فيها من الاسترخاء والترهل ويحلل الرياح ، ولذلك يسكن كثيراً من أوجاعها وأفعاله هذه في المعدة والكبد واختصاص هذه بالمعدة والكبد أقوى وأظهر وخاصة في الكبد لاختصاص له لطبعه بها ، ولذلك صار ينفع من سوء القيئة وجميع أنواع الاستسقاء خلا ما كان منها عن ورم حار في الكبد ومن اليرقان الكائن عن السدد ، سيما إن أضيف إليه اللك والغافث والسنبل الهندي ونحوها وأخذ بماء الكشوث أو ماء البقول أو الأصول بحسب ما تدعو الحاجة إليه منها ، ومن غلظ الطحال بالسكنجبين ، وخاصة المتخذ منه بخل الأصول ومن الفواق والجشاء الحامض وامتداد ما دون الشراشيف والفتوق والمغص إذا أخذ بالشراب الريحاني أو الأنيسون والماء الحار القراح ، ومن الإسهال الكائن عن ضعف المعدة والمعى بسبب رطوبات كثيرة فيها رهلتها وأرختها إذا أخذ بمفرده وبشراب الورد المعمول من الورد اليابس ، ومن الإسهال المزمن الكائن من شدة