في جوهره ليس بمتكاثف ، وكان القبض في طعمه ليس بالقوي وكان مقطعه مصمتاً سالماً من السوس خلنجيّ اللون ، وكانت فيه بعض اللزوجة المذكورة عند المضغ ، وكان اليسير من الممضوغ منه قوي الصبغ ، ولذلك فإن تكاثف جوهره وقوة قبضه يدلان على أنه قد غش بما تقدم ذكره من استخراج عصارته بالطبخ فقلت : لذلك فيه المائية والهوائية ، وغلبت عليه الأرضية وسلامة مقطعه من السوس واللزوجة يدلان على حداثته وبقاء رطوبته ، وقوة خلنجيته ولون مقطعه ، وقوّة صبغه يدلان على بلوغه وانتهائه إلى تمام نضجه في منبته ، وأما ميله إلى الخضرة والغبرة فيدل على نجاحه ونهوه واجتنائه قبل كماله ، وأما الراوند المعروف بالزنجي فإن هذا الصنف يجلب إلينا من بلاد الصين ، وإنما سمي زنجياً لسواد لونه لا لمعدنه ، ويشابه الصيني المقدم ذكره في أشكال قطعه ومقاديرها ولزوجته وطعمه ويخالفه في الهشاشة والخفة واللون ، لأن هذا ثقيل صلب عسر المضغ ، والرض مدمج أسود اللون مقطعه يشبه مقطع القرن الأسود أو خشب الأبنوس أو الساسم وهو أيضاً مما يستاس سريعاً وينخر ، وأفضله ما لا يستاس ، وكان أقل ثقلاً وصلابة ، وأما الراوند المعروف بالتركي والفارسي فإنهما يجلبان إلينا من جهة بلاد الترك وأرض فارس وهو أيضاً على ما سمعته ممن يوثق به أنه من نبات بلاد الصين إلا أن الصيني المعروف المشهور ينبت في الأطراف الشمالية منها وهو ببلاد التركستان التي يسمونها الفرس جين ماجين أي صين الصين لأنهم يسمون الصين جين فيقولون : راوند جيني ويحمل في البحر إلى البلاد التي يخرج إِلينا منها ، أعني بلاد الفرس ، ولذلك سمي التركي لأنه يجلب من بلاد تلي الترك والصين كما يقال مسك عراقي لما يجلب مما يلي العراق من الهند ، ولمثل ذلك سمي الراوند الفارسي وهو يشابه الراوند المعروف بالصيني في أشكال قطعه ومقدارها في اللزوجة والطعم والصبغ وفي الهشاشة والخفة ، ولكن ليس إلى الحد الذي يوصف معه بضدها بل كأنه بحالة متوسطة بين الزنجي وبينه في ذلك وأقوى منه طعماً وصبغه أخلص صفرة ويخالفه في اللون لأن هذا أصفر الظاهر والباطن صفرة ورسية ، وهو أيضاً مما يستاس وينخر سريعاً وأفضله ما لا يستاس وكان مقطعه أشد صفرة وممضوغه أقوى صبغاً ، وأما الراوند المعروف بالشامي فإن هذا الصنف يجلب إلينا من نواحي عمان من أرض الشام وهي عروق خشبية طوال مستديرة في غلظ الأصبع وأكثر إلى الصلابة ما هي ظاهره أغبر اللون كمده ومكسرها أملس تعلوه صفرة مشوبة بيسير من الزرقة. وقال قوم : إِنه أصل شجرة الأنجدان الأسود المحروث ، وقد سماه قوم راوند الدواب لأن البياطرة يلقون سحيقه في سقائها إذا احترت أكبادها ، وربما سمي بذلك أيضاً الراوند التركي ، ومن الباعة من يخلط به الراوند التركي ويبيعه فيه على أنه منه فيمرّ ذلك على من لا خبرة له به ، وأما الراوند الني ذكره جالينوس في المقالة ١ من كتابه في الأدوية المقابلة للأدواء فهو ليس من أصناف النبات ، وإنما هو من عصارة تتخذ من الراوند الصيني ما دام طرياً في منابته ويغلظ بالطبخ ، فما اتخذ من عصير الراوند نفسه من غير أن يخالطه شيء من الماء كان صحيحاً ، وما اتخذ من عصيره المستخرج بطبخه في الماء كان مغشوشاً ، وإنما يغش من هذا النوع من الغش ليبقى الراوند بصورته فيجفف ويباع على أنه لم تؤخذ عصارته رغبة في الزيادة.
وقال في أفعاله الكلية والجزئية : لما كانت الأصناف الثلاثة