كيما أن أراد أحد أن ينظر إلى المدينة المسماة أنفسطياس كما قد نظرت أنا علم من قولي هذا أين موضع تلك المدينة وأستعد للسفر إليها استعدادا جيدا يبلغه إليها فجميع هذه الجزيرة المسماة لميون فيها من شرقيها المدينة المسماة أنفسطياس ومن غربيها المدينة المسماة مودنية ، وفي الوقت الذي سرت أنا إلى هذه الجزيرة جاءت تلك المرأة القيمة بأمر هيكل أرطاميس إلى هذا التل فألقت هناك عددا معلوما من الحنطة والشعير وفعلت أشياء أخر على عادة أهل ذلك البلد في دينهم ، ثم حملت من تلك التربة وقر عجلة كما هي وسارت بها إلى المدينة كما وصفت قبل وعجنت ذلك الطين وعملت منه طينا مختوما وهذا هو الطين المختوم المعروف في كل موضع ، فلما نظرت إلى ذلك رأيت أن أسأل هل كان فيما مضى من الدهور يخلط في هذا الطين دم التيوس والمعز فبلغهم ذلك عن قوم رووه عن غيرهم بالتقليد منهم فضحك مني جميع من سمع مسألتي هذه وكانوا قوما ليسوا بالسواذج من الرجال بل قوم قد تأدبوا بجمل الحديث عن أحبار بلدهم المتقادمة. وفي رواية قصصهم وبأشياء أخر كثيرة وأخذت أيضا من واحد من علمائهم كتابا وضعه رجل كان في بلدهم على قديم الدهر يذكر فيه وجوه استعمال هذا الطين المأخوذ من لميون ومنافعه كلها فدعاني ذلك إلى الجدّ في تجربة هذا الدواء وترك التكاسل عنه فأخذت منه نحو عشرين ألف خاتم وكان ذلك الرجل الذي دفع إليّ الكتاب يعد رئيسا بتلك المدينة أنفسطياس وكان يستعمل هذا الدواء في وجوه شتى وذاك أنه كان يداوي به الجراحات الطرية بدمها والقروح العتيقة العسرة الإندمال وكان يستعمله أيضا في مداواة نهش الأفاعي وغيرها من الهوام ، وكان يتقدم فيسقي منه من يخاف عليه أن يسقى شيئا من الأدوية القتالة ويسقى منه من قد شرب منها شيئا أيضا بعد شربه السم فكان يزعم أن هذا الدواء المتخذ بحب العرعر وهو الذي يقع فيه من هذا الطين المختوم مقدار ليس باليسير ، وكان هذا الرجل قد امتحنه فوجده يهيج القيء إذا شربه الإنسان والسم الذي تناوله في معدته بعد ، ثم جربت أنا أيضا ذلك فيمن شرب أرنبا بحريا ومن شرب الذراريح بالحدس مني عليهم أنهم قد شربوا هذين السمين فتقيؤوا من ساعتهم السم كله بعد شربهم الطين المختوم ولم يعرض لهم شيء من الأعراض اللاحقة بمن تناول أرنبا بحريا أو ذراريح ولما تقيؤوا تبين في القيء ما كان سقوه من الأدوية القتالة وليس عندي أنا علم من هذا الدواء المتخذ بحب العرعر في الطين المختوم وهل معه هذه القوة بعينها في الأدوية الأخر القتالة ، فأما ذلك الرجل الذي دفع إليّ الكتاب فكان يضمن عن هذا الطين المختوم ذلك ويزعم أيضا أنه يسقي به من قد عضه كلب كلب بأن يسقى منه بشراب ممزوج وكان يزعم أنه يطلى على القرحة الحادثة عن العضة من هذا الطين بخل ثقيف ، وكذا زعم أن هذا الطين إذا ديف بخل شفى نهش جميع الهوام بعد أن يوضع من فوقه إذا طلي بعض ورق العقاقير التي قد علمنا من أمرها أنها في قوتها مضادّة العفونة وخاصة ورق الدواء المسمى سقرديون وبعده ورق القنطوريون الدقيق وبعده ورق القراسيون ، وأما الجراحات الخبيثة المتعفنة فإنا لما استعملنا هذا الطين المختوم في أدويتها نفعها منفعة عظيمة واستعماله يكون في هذا الموضع بحسب عظم رداءة الجراحة وخبثها وذلك لأن الجراحة المنتنة جدّا المترهلة الوسخة يحتمل أن يطلى عليها الطين المختوم مذابا بخل ثقيف ثخنه مثل ثخن الطين المبلول على