منهم قبل القصة مرة بعد مرة حتى عادوا بذلك متلبسين بصفة الفسق.
فهذه قرائن تدل على وقوع القصة أعني قصة التيه في الشطر الأخير من زمان مكث موسى عليهالسلام فيهم بعد أن بعثه الله تعالى إليهم وأن غالب القصص المقتصة في القرآن عنهم إنما وقعت قبل ذلك.
فقول موسى لهم : « اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ » أريد به مجموع النعم التي أنعم الله بها عليهم ، وحباهم بها وإنما بدأ بذلك مقدمة لما سيندبهم إليه من دخول الأرض المقدسة فذكرهم نعم ربهم لينشطوا بذلك لاستزادة النعمة واستتمامها فإن الله قد كان أنعم عليهم ببعثة موسى وهذا يتهم إلى دينه ، ونجاتهم من آل فرعون ، وإنزال التوراة ، وتشريع الشريعة فلم يبق لهم من تمام النعمة إلا أن يمتلكوا أرضا مقدسة يستقلون فيها بالقطون والسؤدد.
وقد قسم النعمة التي ذكرهم بها ثلاثة أقسام حين التفصيل فقال : « إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ » وهم الأنبياء الذين في عمود نسبهم كإبراهيم وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من الأنبياء ، أو خصوص الأنبياء من بني إسرائيل كيوسف أو الأسباط وموسى وهارون ، والنبوة نعمة أخرى.
ثم قال : « وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً » أي مستقلين بأنفسكم خارجين من ذل استرقاق الفراعنة وتحكم الجبابرة ، وليس الملك إلا من استقل في أمر نفسه وأهله وماله ، وقد كان بنو إسرائيل في زمن موسى يسيرون بسنة اجتماعية هي أحسن السنن وهي سنة التوحيد التي تأمرهم بطاعة الله ورسوله ، والعدل التام في مجتمعهم ، وعدم الاعتداء على غيرهم من الأمم من غير أن يتأمر عليهم بعضهم أو يختلف طبقاتهم اختلافا يختل به أمر المجتمع ، وما عليهم إلا موسى وهو نبي غير سائر سيرة ملك أو رئيس عشيرة يستعلي عليهم بغير الحق.
وقيل : المراد بجعلهم ملوكا هو ما قدر الله فيهم من الملك الذي يبتدئ من طالوت فداود إلى آخر ملوكهم ، فالكلام على هذا وعد بالملك إخبارا بالغيب فإن الملك لم يستقر فيهم إلا بعد موسى بزمان. وهذا الوجه لا بأس به لكن لا يلائمه قوله : « وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً » ولم يقل : وجعل منكم ملوكا ، كما قال : « جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ ».
ويمكن أن يكون المراد بالملك مجرد ركوز الحكم عند بعض الجماعة فيشمل سنة