اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ، كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ » التوبة : ـ ٨ وقد علل الاستقامة لمن استقام بأنه من التقوى ـ ذاك التقوى الذي لا دعوة في الدين إلا إليه ـ وإن الله يحب المتقين ، وهذا تعليل حي إلى يوم القيامة.
وقال تعالى : « فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ » البقرة : ـ ١٩٤ وقال : « وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ » المائدة : ـ ٢.
وأما النقض الابتدائي من غير نقض من العدو المعاهد فلا مجوز له في هذا الدين الحنيف أصلا ، وقد تقدم قوله تعالى : « فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ » الآية وقال : « وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ » البقرة : ـ ١٩٠.
وعلى ذلك جرى عمل النبي صلىاللهعليهوآله أيام حياته فقد عاهد بني قينقاع وبني قريظة وغيرهم من اليهود ولم ينقض إلا بعد ما نقضوا ، وعاهد قريشا في الحديبية ولم ينقض حتى نقضوا بإظهار بني بكر على خزاعة وقد كانت خزاعة في عهد النبي صلىاللهعليهوآله ، وبنو بكر في عهد قريش.
وأما النقض من غير نقض فلا مبيح له في الإسلام وإن كان الوفاء مما يفوت على المسلمين بعض منافعهم ، ويجلب إليهم بعض الضرر وهم على قدرة من حفظ منافعهم بالبأس والقوة أو أمكنهم الاعتذار ببعض ما تصور لهم الحجة ظاهرا وتصرف عنهم اللوم والعذل فإن مدار الأمر على الحق ، والحق لا يستعقب شرا ولا ضرا إلا على من انحرف عنه وآوى إلى غيره.
٤ ـ المجتمعات الإنسانية سيما الراقية المتمدنة منها غير المجتمع الديني لا هدف لاجتماعهم ولا غرض لسننهم الجارية إلا التمتع من مزايا الحياة المادية ما قدروا عليه فلا موجب لهم للتحفظ على شيء أزيد مما بأيديهم من القوانين العملية الناظمة لشتات مقاصدهم الحيوية.
ومن الضروري أن الظرف الذي هذا شأنه لا قيمة فيها للمعنويات إلا بمقدار