على أن توجه العتاب عليهم لكونهم خصوه بأنفسهم وآثروها فيما خافوا حاجتها إليه على سبيل الله الذي به حياة المجتمع الإنساني في الدنيا والآخرة ، وقد خانوا الله ورسوله في ذلك من جهة أخرى وهي الستر والتغييب إذ لو كان ظاهرا جاريا على الأيدي كان من الممكن أن يأمره ولي الأمر بإنفاقه في حاجة دينية قائمة لكن إذا كنز كنزا وأخفى عن الأنظار لم يلتفت إليه ، وبقيت الحاجة الضرورية قائمة في جانب والمال المكنوز الذي هو الوسيلة الوحيدة لرفع الحاجة في جانب مع عدم حاجة من كنزه إليه.
فالآية إنما تنهى عن الكنز لهذه الخصيصة التي هي إيثار الكانز نفسه بالمال من غير حاجة إليه على سبيل الله مع قيام الحاجة إليه ، وناهيك أن الإسلام لا يحد أصل الملك من جهة الكمية بحد فلو كان لهذا الكانز أضعاف ما كنزه من الذهب والفضة ولم يدخرها كنزا بل وضعها في معرض الجريان يستفيد به لنفسه ألوفا وألوفا ، ويفيد غيره ببيع أو شراء أو عمل وغير ذلك لم يتوجه إليه نهي ديني لأنه حيث نصبها على أعين الناس وأجراها في مجرى النماء الصالح النافع لم يخفها ولم يمنعها من أن يصرف في سبيل الله فهو وإن لم ينفقها في سبيل الله إلا أنه بحيث لو أراد ولي أمر المسلمين لأمره بالإنفاق فيما يرى لزوم الإنفاق فيه فليس هو إذا لم ينفق وهو بمرأى ومسمع من ولي الأمر بخائن ظلوم.
فالآية ناظرة إلى الكنز الذي يصاحبه الامتناع عن الإنفاق في الحقوق المالية الواجبة لا بمعنى الزكاة الواجبة فقط بل بمعنى يعمها وغيرها من كل ما يقوم عليه ضرورة المجتمع الديني من الجهاد وحفظ النفوس من الهلكة ونحو ذلك.
وأما الإنفاق المستحب كالتوسعة على العيال ، وإعطاء المال وبذله على الفقراء في الزائد على ضرورة حياتهم فهو وإن أمكن أن يطلق عليه فيما عندنا الإنفاق في سبيل الله إلا أن نفس أدلته المبينة لاستحبابه تكشف عن أنه ليس من هذا الإنفاق في سبيل الله المذكور في هذه الآية فكنز المال وعدم إنفاقه إنفاقا مندوبا مع عدم سبيل ضروري ينفق فيه ليس من الكنز المنهي عنه في هذه الآية فهذا ما تدل عليه الآية الكريمة ، وقد طال فيها ـ لما يتعلق بها من بعض الأبحاث الكلامية ـ المشاجرة بين المفسرين ، وسنورد فيه كلاما بعد الفراغ عن البحث الروائي المتعلق بالآيات إن شاء الله تعالى.
وقوله في ذيل الآية : « فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ » إيعاد بالعذاب يدل على تحريمه الشديد.