بعد الزكاة واجبا ، وأنه يقسم الإنفاق في سبيل الله إلى ما يجب وما ينبغي غير أنه يعترض بانقطاع سبيل الإنفاق من غير جهة الزكاة وانسداد باب الخيرات بالكلية وفي ذلك إبطال غرض التشريع وإفساد المصلحة العامة المشرعة.
يقول : ليست هي حكومة استبدادية قيصرانية أو كسروانية ، لا وظيفة لها إلا بسط الأمن وكف الأذى بالمنع عن إيذاء بعض الناس بعضا ثم الناس أحرار فيما فعلوا غير ممنوعين عن ما اشتهوا من عمل أفرطوا أو فرطوا ، أصلحوا أو أفسدوا ، اهتدوا أو ضلوا وتاهوا ، والمتقلد لحكومتهم حر فيما عمل ولا يسأل عما يفعل.
وإنما هي حكومة اجتماعية دينية لا ترضى عن الناس بمجرد كف الأذى بل تسوق الناس في جميع شئون معيشتهم إلى ما يصلح لهم ويهيئ لكل من طبقات المجتمع من أميرهم ومأمورهم ورئيسهم ومرءوسهم ومخدومهم وخادمهم وغنيهم وفقيرهم وقويهم وضعيفهم ما يسع له من سعادة حياتهم فترفع حاجة الغني بإمداد الفقير وحاجة الفقير بمال الغني وتحفظ مكانة القوي باحترام الضعيف وحياة الضعيف برأفة القوي ومراقبته ، ومصدرية العالي بطاعة الداني وطاعة الداني بنصفة العالي وعدله ، ولا يتم هذا كله إلا بنشر المبرات وفتح باب الخيرات ، والعمل بالواجبات على ما يليق بها والمندوبات على ما يليق بها وأما القصر على القدر الواجب ، وترك الإنفاق المندوب من رأس فإن فيه هدما لأساس الحياة الدينية ، وإبطالا لغرض الشارع ، وسيرا حثيثا إلى نظام مختل وهرج ومرج وفساد عريق لا يصلحه شيء كل ذلك عن المسامحة في إحياء غرض الدين ، والمداهنة مع الظالمين إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وكذلك قول أبي ذر لمعاوية فيما تقدم من رواية الطبري : « ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله؟ قال : يرحمك الله يا أبا ذر ألسنا عباد الله والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره قال : فلا تقله ».
فإن الكلمة التي كان يقولها معاوية وعماله ومن بعده من خلفاء بني أمية وإن كانت كلمة حق وقد رويت عن النبي صلىاللهعليهوآله ويدل عليها كتاب الله لكنهم كانوا يستنتجون منه خلاف ما يريده الله سبحانه فإن المراد به أن المال لا يختص به أحد بعزة أو قوة أو سيطرة وإنما هو لله ينفق في سبيله على حسب ما عينه من موارد