أقول : محصل الروايات ـ كما ترى ـ أن العرب كانت تدين بحرمة الأشهر الحرم الأربعة رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم ثم إنهم ربما كانوا يتحرجون من القعود عن الحروب والغارات ثلاثة أشهر متواليات فسألوا بعض بني كنانة أن يحل لهم ثالث الشهور الثلاثة فقام فيهم بعض أيام الحج بمنى وأحل لهم المحرم ونسأ حرمته إلى صفر فذهبوا لوجههم عامهم ذلك يقاتلون العدو ثم رد الحرمة إلى مكانه في قابل وهذا هو النسيء.
وكان يسمى المحرم صفر الأول وصفر الثاني وهما صفران كالربيعين والجماديين والنسيء إنما ينال صفر الأول ولا يتعدى صفر الثاني فلما أقر الإسلام الحرمة لصفر الأول عبروا عنه بشهر الله المحرم ثم لما كثر الاستعمال خففت وقيل : المحرم ، واختص اسم صفر بصفر الثاني فالمحرم من الألفاظ الإسلامية كما ذكره السيوطي في المزهر.
وفيه ، أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد : في قوله : « إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ » قال : ـ فرض الله الحج في ذي الحجة ، وكان المشركون يسمون الأشهر ذا الحجة والمحرم ـ وصفر وربيع وربيع وجمادى وجمادى ـ ورجب وشعبان ورمضان وشوال ـ وذا القعدة وذا الحجة ثم يحجون فيه ـ.
ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه ـ ثم يعودون فيسمون صفر صفر ـ ثم يسمون رجب جمادى الآخرة ـ ثم يسمون شعبان رمضان ورمضان شوال ، ويسمون ذا القعدة شوال ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة ـ ثم يسمون المحرم ذا الحجة ـ ثم يحجون فيه واسمه عندهم ذو الحجة ـ.
ثم عادوا إلى مثل هذه القصة فكانوا يحجون في كل شهر عاما ـ حتى وافق حجة أبي بكر الآخرة من العام في ذي القعدة ـ ثم حج النبي صلىاللهعليهوآله حجته التي حج فيها فوافق ذو الحجة ـ فذلك حين يقول صلىاللهعليهوآله في خطبته : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض.
أقول : ومحصله على ما فيه من التشويش والاضطراب أن العرب كانت قبل الإسلام يحج البيت في ذي الحجة غير أنهم أرادوا أن يحجوا كل عام في شهر فكانوا يدورون بالحج الشهور شهرا بعد شهر وكل شهر وصلت إليه النوبة عامهم ذلك سموه ذا الحجة وسكتوا عن اسمه الأصلي.