خفضه لها هذا.
والذي ذكروه وإن أمكن أن يتأيد بآيات أخر كقوله : ( فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ) آل عمران : ١٥٩ وقوله في صفة النبي صلىاللهعليهوآله : ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) التوبة : ١٢٨ لكن الذي وقع في نظير الآية مما يمكن أن يفسر به خفض الجناح هو صبر النفس مع المؤمنين وهو يناسب أن يكون كناية عن ضم المؤمنين إليه وقصر الهم على معاشرتهم وتربيتهم وتأديبهم بأدب الله أو كناية عن ملازمتهم والاحتباس فيهم من غير مفارقة ، كما أن الطائر إذا خفض الجناح لم يطر ولم يفارق ، قال تعالى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) الآية الكهف : ٢٨.
وقوله : ( وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ) أي لا دعوى لي إلا أني نذير أنذركم بعذاب الله سبحانه مبين أبين لكم ما تحتاجون إلى بيانه ، وليس لي وراء ذلك من الأمر شيء.
فهذه الأمور الأربعة أعني ترك الرغبة بما في أيديهم من متاع الحياة الدنيا وترك الحزن عليهم إذا كفروا واستهزءوا ، وخفض الجناح للمؤمنين وإظهار أنه نذير مبين هو الصفح الجميل الذي يليق بالنبي صلىاللهعليهوآله ، ولو أسقط منها واحد لاختل الأمر.
ومن ذلك يظهر أن قول بعضهم : إن قوله : ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) منسوخ بآية السيف غير وجيه فإن هذا الصفح الذي تأمر به الآية ويفسره قوله : ( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ) باق على إحكامه واعتباره حتى بعد نزول آية السيف فلا وجه لنسبة النسخ إليه.
قوله تعالى : ( كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) قال في المجمع : عضين جمع عضة وأصله عضوة فنقصت الواو ولذلك جمعت عضين بالنون كما قيل : عزوة وعزون والأصل عزوة ، والتعضية : التفريق مأخوذة من الأعضاء يقال : عضيت الشيء أي فرقته وبعضته قال رؤبة : وليس دين الله بالمعضي ، انتهى موضع الحاجة.
وقوله : ( كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ) لا يخلو السياق من دلالة على أنه متعلق بمقدر يلوح إليه قوله : ( وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ) أي بعذاب منزل ينزل عليكم كما أنزلنا على المقتسمين ، والمراد بالمقتسمين هم الذين يصفهم قوله بعد : ( الَّذِينَ
( ١٢ ـ الميزان ـ ١٣ )