من ذكر الله يعطي أن يكون المراد بذكر الله الذكر القلبي الذي يقابل النسيان والغفلة وهو ذكر علمي كما أن أمثال الصلاة والزكاة ذكر عملي.
فالمقابلة المذكورة تعطي أن المراد بقوله : « عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ » أنهم لا يشتغلون بشيء عن ذكرهم المستمر بقلوبهم لربهم وذكرهم الموقت بأعمالهم من الصلاة والزكاة ، وعند ذلك يظهر حسن التقابل بين التجارة والبيع وبين ذكر الله وإقام الصلاة إلخ ، لرجوع المعنى إلى أنهم لا يلهيهم مله مستمر ولا موقت عن الذكر المستمر والموقت ، فافهم ذلك.
وقوله : « يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ » هذا هو يوم القيامة ، والمراد بالقلوب والأبصار ما يعم قلوب المؤمنين والكافرين وأبصارهم لكون القلوب والأبصار جمعا محلى باللام وهو يفيد العموم.
وأما تقلب القلوب والأبصار فالآيات الواصفة لشأن يوم القيامة تدل على أنه بظهور حقيقة الأمر وانكشاف الغطاء كما قال تعالى : « فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » ق : ٢٢ ، وقال : « وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ » الزمر : ٤٧ ، إلى غير ذلك من الآيات.
فتنصرف القلوب والأبصار يومئذ عن المشاهدة والرؤية الدنيوية الشاغلة عن الله الساترة للحق والحقيقة إلى سنخ آخر من المشاهدة والرؤية وهو الرؤية بنور الإيمان والمعرفة فيتبصر المؤمن بنور ربه وهو نور الإيمان والمعرفة فينظر إلى كرامة الله ، ويعمى الكافر ولا يجد إلا ما يسوؤه قال تعالى : « وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها » الزمر : ٦٩ وقال : « يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ » الحديد : ١٢ ، وقال : « وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى » الإسراء : ٧٢ ، وقال : « وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ » القيامة : ٢٣ وقال : « كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ » المطففين : ١٥.
وقد تبين بما مر :
أولا : وجه اختصاص هذه الصفة أعني تقلب القلوب والأبصار من بين أوصاف يوم القيامة بالذكر وذلك أن الكلام مسوق لبيان ما يتوسل به إلى هدايته تعالى إلى