كائن من فوقه سحاب يحجبنه جميعا من الاستضاءة بأضواء الشمس والقمر والنجوم.
وقوله : « ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ » تقرير لبيان أن المراد بالظلمات المفروضة الظلمات المتراكمة بعضها على بعض دون المتفرقة ، وقد أكد ذلك بقوله : « إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها » فإن أقرب ما يشاهده الإنسان منه هو نفسه وهو أقدر على رؤية يده منه على سائر أعضائه لأنه يقربها تجاه باصرته كيفما أراد فإذا أخرج يده ولم يكد يراها كانت الظلمة بالغة.
فهؤلاء وهم سائرون إلى الله وصائرون إليه من جهة أعمالهم كراكب بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب في ظلمات متراكمة كأشد ما يكون ولا نور هناك يستضيء به فيهتدي إلى ساحل النجاة.
وقوله : « وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » نفي للنور عنهم بأن الله لم يجعله لهم ، كيف لا؟ وجاعل النور هو الله الذي هو نور كل شيء ، فإذا لم يجعل لشيء نورا لم يكن له نورا إذ لا جاعل غيره تعالى.
قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ » إلى آخر الآية ، لما ذكر سبحانه أنه نور تستنير به السماوات والأرض وأنه يختص بمزيد نوره المؤمنين من عباده والذين كفروا لا نصيب لهم من ذلك شرع يحتج على ذلك بما في هذه الآية والآيات الأربع التالية لها.
فكونه تعالى نور السماوات والأرض يدل عليه أن ما في السماوات والأرض موجود بوجود ليس من عنده ولا من عند شيء مما فيهما لكونه مثله في الفاقة ، فوجود ما فيهما من موجود من الله الذي ينتهي إليه الحاجات.
فوجود كل شيء مما فيهما كما يظهر به نفس الوجود يدل على من يظهره بما أفاض عليه من الوجود فهو نور يستنير به الشيء ويدل على منوره بما أشرق عليه من النور وأن هناك نورا يستنير به كل شيء فكل شيء مما فيهما يدل على أن وراءه شيئا منزها من الظلمة التي غشيته ، والفاقة التي لزمته ، والنقص الذي لا ينفك عنه ، وهذا هو تسبيح ما في السماوات والأرض له سبحانه ، ولازمه نفي الاستقلال عن كل من سواه وسلب أي إله ورب يدبر الأمر دونه تعالى.