والسورة من عتائق السور المكية وأوائلها نزولا وقد اشتملت على قوله تعالى : « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ». وربما أمكن أن يستفاد من وقوع هذه الآية في هذه السورة ووقوع قوله : « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » في سورة الحجر وقياس مضمونيهما كل مع الأخرى أن هذه السورة أقدم نزولا من سورة الحجر وظاهر سياق آيات السورة أنها جميعا مكية واستثنى بعضهم الآيات الخمس التي في آخرها ، وبعض آخر قوله : « أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ » وسيجيء الكلام فيهما.
قوله تعالى : « طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ » الإشارة بتلك إلى آيات الكتاب مما سينزل بنزول السورة وما نزل قبل ، وتخصيصها بالإشارة البعيدة للدلالة على علو قدرها ورفعة مكانتها ، والمبين من أبان بمعنى ظهر وانجلى.
والمعنى : تلك الآيات العالية قدرا الرفيعة مكانا آيات الكتاب الظاهر الجلي كونه من عند الله سبحانه بما فيه من سمة الإعجاز وإن كذب به هؤلاء المشركون المعاندون ورموه تارة بأنه من إلقاء شياطين الجن وأخرى بأنه من الشعر.
قوله تعالى : « لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » البخوع هو إهلاك النفس عن وجد ، وقوله : « أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ » تعليل للبخوع ، والمعنى : يرجى منك أن تهلك نفسك بسبب عدم إيمانهم بآيات هذا الكتاب النازل عليك.
والكلام مسوق سوق الإنكار والغرض منه تسلية النبي صلىاللهعليهوآله.
قوله تعالى : « إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ » متعلق المشية محذوف لدلالة الجزاء عليه ، وقوله : « فَظَلَّتْ » إلخ ، ظل فعل ناقص اسمه « أَعْناقُهُمْ » وخبره « خاضِعِينَ » ونسب الخضوع إلى أعناقهم وهو وصفهم أنفسهم لأن الخضوع أول ما يظهر في عنق الإنسان حيث يطأطئ رأسه تخضعا فهو من المجاز العقلي.
والمعنى : إن نشأ أن ننزل عليهم آية تخضعهم وتلجئهم إلى القبول وتضطرهم إلى الإيمان ننزل عليهم آية كذلك فظلوا خاضعين لها خضوعا بينا بانحناء أعناقهم.
وقيل : المراد بالأعناق الجماعات وقيل : الرؤساء والمقدمون منهم ، وقيل :