على أن الله سبحانه آتاه حكما وعلما قبل واقعة القتل وهذا لا يجامع الضلال بهذا المعنى من الجهل.
وأما الوجه الثاني ففيه مضافا إلى عدم مساعدة السياق : أن من الممتنع من أدب القرآن أن يسمي محبة الله سبحانه ضلالا.
وأما قول القائل : إن المراد بالضلال الجهل بمعنى عدم التعمد وأنه إنما فعل ذلك جاهلا به غير متعمد إياه فإنه عليهالسلام إنما تعمد وكز القبطي للتأديب فأدى إلى ما أدى.
وكذا قول القائل : إن المراد بالضلال الجهل بالشرائع كما فسر به بعضهم قوله : « وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ».
وكذا قول القائل : إن المراد بالضلال النسيان كما فسر به قوله تعالى : « أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى » البقرة : ٢٨٢. وأن المعنى فعلتها ناسيا حرمتها أو ناسيا أن الوكز مما يفضي إلى القتل عادة.
فوجوه يمكن أن يوجه كل منها بما يرجع به إلى ما قدمناه.
وقوله : « فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً » متفرع على قصة القتل ، والسبب في خوفه وفراره ما أخبر الله به في سورة القصص بقوله : « وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ » القصص : ٢١.
وأما الحكم فالمراد به ـ كما استظهرناه ـ إصابة النظر في حقيقة الأمر وإتقان الرأي في العمل به.
فإن قلت : صريح الآية أن موهبة الحكم كانت بعد واقعة القتل ومفاد آيات سورة القصص أنه عليهالسلام أعطي الحكم قبلها ، قال تعالى : « وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ » الخ : القصص : ١٥ ، ثم ساق القصة وذكر القتل والفرار.
قلت : إنما ورد لفظ الحكم هاهنا وفي سورة القصص منكرا وهو مشعر بمغايرة كل منهما الآخر وقد ورد في خصوص التوراة أنها متضمنة للحكم ، قال تعالى :