ممثلة للغير فإذ كانت مقصودة بالعبادة فمن الواجب أن يشتمل على ما هو الغرض المقصود منها من جلب نفع أو دفع ضر بالتوجه العبادي والدعاء والمسألة والأصنام بمعزل من أن تعلم بمسألة أو تجيب مضطرا بإيصال نفع أو صرف ضر ولذلك سألهم إبراهيم بقوله : « هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ » إلخ.
قوله تعالى : « قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ » اعترض عليهالسلام عليهم في عبادتهم الأصنام من جهتين :
إحداهما : أن العبادة تمثيل لذلة العابد وحاجته إلى المعبود فلا يخلو من دعاء من العابد للمعبود ، والدعاء يتوقف على علم المعبود بذلك وسمعه ما يدعوه به ، والأصنام أجسام جمادية لا سمع لها فلا معنى لعبادتها.
والثانية : أن الناس إنما يعبدون الإله إما طمعا في خيره ونفعه وإما اتقاء من شره وضره والأصنام جمادات لا قدرة لها على إيصال نفع أو دفع ضرر.
فكل من الآيتين يتضمن جهة من جهتي الاعتراض ، وقد أوردهما في صورة الاستفهام ليضطرهم على الاعتراف.
قوله تعالى : « قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ » كان مقتضى المقام أن يجيبوا عن سؤاله عليهالسلام بالنفي لكنه لما كان ينتج خلاف ما هم عليه من الانتحال بالوثنية أضربوا عنه إلى التشبث بذيل التقليد فذكروا أنهم لا مستند لهم في عبادتها إلا تقليد الآباء محضا.
وقوله : « وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ » أي ففعلنا كما كانوا يفعلون وعبدناهم كما كانوا يعبدون ، ولم يعدل عن قوله : « كَذلِكَ يَفْعَلُونَ » إلى مثل قولنا : يعبدونها ليكون أصرح في التقليد كأنهم لا يفهمون من هذه العبادات إلا أنها أفعال كأفعال آبائهم من غير أن يفقهوا منها شيئا أزيد من أشكالها وصورها.
قوله تعالى : « قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ » لما انتهت محاجته مع أبيه وقومه إلى أن لا حجة لهم في عبادتهم الأصنام إلا تقليد آبائهم محضا تبرأ عليهالسلام من آلهتهم ومن أنفسهم وآبائهم بقوله « أَفَرَأَيْتُمْ » إلخ.
فقوله : « أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ » تفريع على ما ظهر مما