يومئذ فهذه البنية الضعيفة لا تقوم دون الأهوال التي تواجهها يوم القيامة إلا بنصر وتأييد منه تعالى.
وقوله : « يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ » الظرف بدل من قوله : « يَوْمَ يُبْعَثُونَ » وبه يندفع قول من قال : إن قول إبراهيم قد انقطع في « يُبْعَثُونَ » والآية إلى تمام خمس عشرة آية من كلام الله تعالى.
والآية تنفي نفع المال والبنين يوم القيامة وذلك أن رابطة المال والبنين التي هي المناط في التناصر والتعاضد في الدنيا هي رابطة وهمية اجتماعية لا تؤثر أثرا في الخارج من ظرف الاجتماع المدني ويوم القيامة يوم انكشاف الحقائق وتقطع الأسباب فلا ينفع فيه مال بماليته ولا بنون بنسبة بنوتهم وقرابتهم ، قال تعالى : « وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ » الأنعام : ٩٤ ، وقال : « فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ » المؤمنون : ١٠١.
فالمراد بنفي نفع المال والبنين يوم القيامة نفي سببيتهما الوضعية الاعتبارية في المجتمع الإنساني في الدنيا فإن المال نعم السبب والوسيلة في المجتمع للظفر بالمقاصد الحيوية ، وكذا البنون نعمت الوسيلة للقوة والعزة والغلبة والشوكة ، فالمال والبنون عمدة ما يركن إليهما ويتعلق بهما الإنسان في الحياة الدنيا فنفي نفعهما يوم القيامة كالكناية عن نفي نفع كل سبب وضعي اعتباري في المجتمع الإنساني يتوسل به إلى جلب المنافع المادية كالعلم والصنعة والجمال وغيرها.
وبعبارة أخرى نفي نفعهما في معنى الإخبار عن بطلان الاجتماع المدني بما يعمل فيه من الأسباب الوضعية الاعتبارية كما يشير إليه قوله تعالى : « ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ».
وقوله : « إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » قال الراغب : السلم والسلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة. انتهى. والسياق يعطي أنه عليهالسلام في مقام ذكر معنى جامع يتميز به اليوم من غيره وقد سأل ربه أولا أن ينصره ولا يخزيه يوم لا ينفعه ما كان ينفعه في الدنيا من المال والبنين ، ومقتضى هذه التوطئة أن يكون المطلوب بقوله : « إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » بيان ما هو النافع يومئذ وقد ذكر فيه الإتيان بالقلب السليم.