بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » الروم : ٤١.
وإن أقاموا مع ذلك على الفساد لرسوخه في نفوسهم أخذهم الله بعذاب الاستئصال وطهر الأرض من قذارة فسادهم قال تعالى : « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ » الأعراف : ٩٦. وقال : « وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ » هود : ١١٧ ، وقال : « أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ » الأنبياء : ١٠٥ ، وذلك أنهم إذا صلحوا صلحت أعمالهم وإذا صلحت أعمالهم وافقت النظام العام وصلحت بها الأرض لحياتهم الأرضية.
فقد تبين بما مر أولا أن حقيقة دعوة النبوة هي إصلاح الحياة الإنسانية الأرضية قال تعالى : حكاية عن شعيب : « إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ » هود : ٨٨.
وثانيا : أن قوله : « وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ » إلخ ، على سذاجة بيانه معتمد على حجة برهانية.
ولعل في قوله : « وَلا يُصْلِحُونَ » بعد قوله : « الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ » إشارة إلى أنه كان المتوقع منهم بما أنهم بشر ذوو فطرة إنسانية أن يصلحوا في الأرض لكنهم انحرفوا عن الفطرة وبدلوا الإصلاح إفسادا.
قوله تعالى : « قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ » أي ممن سحر مرة بعد مرة حتى غلب على عقله ، وقيل : إن السحر أعلى البطن والمسحر من له جوف فيكون كناية عن أنك بشر مثلنا تأكل وتشرب فيكون قوله بعده : « ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا » تأكيدا له ، وقيل : المسحر من له سحر أي رئة كأن مرادهم أنك متنفس بشر مثلنا.
قوله تعالى : « ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ـ إلى قوله ـ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ » الشرب بكسر الشين النصيب من الماء ، والباقي ظاهر وقد تقدمت تفصيل القصة في سورة هود.
قوله تعالى : « فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ » نسبة العقر إلى الجمع ـ ولم يعقرها إلا واحد منهم ـ لرضاهم بفعله ، وفي نهج البلاغة : أيها الناس إنما يجمع الناس الرضا والسخط ـ وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد ـ فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا ـ فقال سبحانه : « فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ ».