ولله سبحانه ملك مطلق منبسط على الأشياء من جميع جهات وجودها لقيامها به تعالى من غير غنى عنه واستقلال دونه فأي تصرف تصرف به فيها مما يسرها أو يسوؤها أو ينفعها أو يضرها ليس من الظلم في شيء وإن شئت فقل : عدل بمعنى ما ليس بظلم فله أن يفعل ما يشاء وله أن يحكم ما يريد كل ذلك بحسب التكوين.
فله تعالى ملك مطلق بذاته ، ولغيره من الفواعل التكوينية ملك تكويني بالنسبة إلى فعله حسب الإعطاء والموهبة الإلهية وهو ملك في طول ملكه تعالى وهو المالك لما ملكها والمهيمن على ما عليه سلطها.
ومن جملة هذه الفواعل النوع الإنساني بالنسبة إلى أفعاله وخاصة ما نسميها بالأفعال الاختيارية والاختيار الذي يتعين به هذه الأفعال ، فالواحد منا يجد من نفسه عيانا أنه يملك الاختيار بمعنى إمكان الفعل والترك معا ، فإن شاء فعل وإن لم يشأ ترك فهو يرى نفسه حرا يملك الفعل والترك ، أي فعل وترك كانا ، بمعنى إمكان صدور كل منهما عنه.
ثم إن اضطرار الإنسان إلى الحياة الاجتماعية المدنية اضطر العقل أن يغمض عن بعض ما للإنسان من حرية العمل ويرفع اليد عن بعض الأفعال التي كان يرى أنه يملكها وهي التي يختل بإتيانها أمر المجتمع فيختل نظم حياته نفسه وهذه هي المحرمات والمعاصي التي تنهى عنها القوانين المدنية أو السنن القومية أو الأحكام الملوكية الدائرة في المجتمعات.
ومن الضروري لتحكيم هذه القوانين والسنن أن يجعل نوع من الجزاء السيئ على المتخلف عنها ـ بشرط العلم وتمام الحجة لأنه شرط تحقق التكليف ـ من ذم أو عقاب ، ونوع من الأجر الجميل للمطيع الذي يحترمها من مدح أو ثواب.
ومن الضروري أن ينتصب على المجتمع والقوانين الجارية فيها من يجريها على ما هي عليه وهو مسئول عما نصب له وخاصة بالنسبة إلى أحكام الجزاء ، فلو لم يكن مسئولا وجاز له أن يجازي وأن لا يجازي ويأخذ المحسن ويترك المسيء لغا وضع القوانين والسنن من رأس. هذه أصول عقلائية جارية في الجملة في المجتمعات الإنسانية منذ استقر هذا النوع على الأرض منبعثة عن فطرتهم الإنسانية.