واحتمل بعضهم أن تكون الجملة من كلام الله سبحانه لا من كلام سليمان والسياق يأباه.
قوله تعالى : « وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ » الحشر هو جمع الناس وإخراجهم لأمر بإزعاج والوزع المنع وقيل الحبس ، والمعنى كما قيل : وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يمنعون من التفرق واختلاط كل جمع بآخر برد أولهم إلى آخرهم وحبس كل في مكانه.
ويستفاد من الآية أنه كان له جنود من الجن والطير يسيرون معه كجنوده من الإنس.
وكلمة الحشر ووصف المحشورين بأنهم جنود ، وسياق الآيات التالية كل ذلك دليل على أن جنوده كانوا طوائف خاصة من الجن والإنس والطير سواء كانت « مِنَ » في الآية للتبعيض أو للبيان.
وقد أغرب في التفسير الكبير ، فزعم أن الآية تدل على أن جميع الجن والإنس والطير كانوا جنوده وقد ملك الأرض كلها وأن الله تعالى جعل الطير في زمانه عقلاء مكلفين ثم عادت بعد زمانه على ما كانت عليه قبله وقال بمثله في النملة التي تكلمت ، قال في تفسير الآية : والمعنى أنه جعل الله تعالى كل هذه الأصناف جنوده ، ولا يكون كذلك إلا بأن يتصرف على مراده ، ولا يكون كذلك إلا مع العقل الذي يصح معه التكليف أو يكون بمنزلة المراهق الذي قد قارب حد التكليف ، فلذلك قلنا : إن الله تعالى جعل الطير في أيامه مما له عقل وليس كذلك حال الطيور في أيامنا وإن كان فيها ما قد ألهمه الله تعالى الدقائق التي خصت بالحاجة إليها أو خصها الله بها لمنافع العباد كالنحل وغيره. انتهى.
ووجوه التحكم فيه غنية عن البيان.
وتقديم الجن في الذكر على الإنس والطير لكون تسخيرهم ودخولهم تحت الطاعة عجيبا ، وذكر الإنس بعده دون الطير مع كون تسخيرها أيضا عجيبا رعاية لأمر المقابلة بين الجن والإنس.
قوله تعالى : « حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ » الآية ، « حَتَّى » غاية لما يفهم من الآية السابقة ، وضمير الجمع لسليمان وجنوده ، وتعدية الإتيان بعلى قيل : لكون