والشر ، فإنهم كما كانوا يتشأمون بالطير كانوا أيضا يتيمنون به والطائر عندهم الأمر الذي يستقبل الإنسان بالخير والشر كما في قوله تعالى : « وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً » إسراء : ١٣ ، وإذ كان ما يستقبل الإنسان من خير أو شر هو بقضاء من الله سبحانه مكتوب في كتاب فالطائر هو الكتاب المحفوظ فيه ما قدر للإنسان.
وفيه أن ظاهر ذيل آية الإسراء أن المراد بالطائر هو كتاب الأعمال دون كتاب القضاء كما يدل عليه قوله : « اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ».
وقيل : معنى « بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ » أي تعذبون ، وما ذكرناه أولا أنسب.
قوله تعالى : « وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ » إلخ قال الراغب : الرهط العصابة دون العشرة وقيل إلى الأربعين انتهى ، وقيل : الفرق بين الرهط والنفر أن الرهط من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة والنفر من الثلاثة إلى التسعة انتهى.
قيل : المراد بالرهط الأشخاص ولذا وقع تمييزا للتسعة لكونه في معنى الجمع فقد كان المتقاسمون تسعة رجال.
قوله تعالى : « قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ » التقاسم المشاركة في القسم ، والتبييت القصد بالسوء ليلا ، وأهل الرجل من يجمعه وإياهم بيت أو نسب أو دين ، ولعل المراد بأهله زوجه وولده بقرينة قوله بعد : « ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا » ، وقوله : « وَإِنَّا لَصادِقُونَ » معطوف على قوله : « ما شَهِدْنا » فيكون من مقول القول.
والمعنى : قال الرهط المفسدون وقد تقاسموا بالله : لنقتلنه وأهله بالليل ثم نقول لوليه إذا عقبنا وطلب الثأر ما شهدنا هلاك أهله وإنا لصادقون في هذا القول ، ونفي مشاهدة مهلك أهله نفي لمشاهدة مهلك نفسه بالملازمة أو الأولوية ، على ما قيل.
وربما قيل : إن قوله : « وَإِنَّا لَصادِقُونَ » حال من فاعل نقول أي نقول لوليه كذا والحال أنا صادقون في هذا القول لأنا شهدنا مهلكه وأهله جميعا لا مهلك أهله فقط.
ولا يخفى ما فيه من التكلف وقد وجه بوجوه أخر أشد تكلفا منه ولا ملزم لأصل الحالية.