فالمؤمن إنما يكون مؤمنا على الإطلاق إذا جرت أعماله على حاق ما يقتضيه إيمانه من الخشوع في عبادته والإعراض عن اللغو ونحوه.
قوله تعالى : « وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ » اللغو من الفعل هو ما لا فائدة فيه ويختلف باختلاف الأمور التي تعود عليها الفائدة فرب فعل هو لغو بالنسبة إلى أمر وهو بعينه مفيد مجد بالنسبة إلى أمر آخر.
فاللغو من الأفعال في نظر الدين الأعمال المباحة التي لا ينتفع بها في الآخرة أو في الدنيا بحيث ينتهي أيضا إلى الآخرة كالأكل والشرب بداعي شهوة التغذي اللذين يتفرع عليهما التقوي على طاعة الله وعبادته ، فإذا كان الفعل لا ينتفع به في آخرة ولا في دنيا تنتهي بنحو إلى آخرة فهو اللغو وبنظر أدق هو ما عدا الواجبات والمستحبات من الأفعال.
ولم يصف سبحانه المؤمنين بترك اللغو مطلقا فإن الإنسان في معرض العثرة ومزلة الخطيئة وقد عفا عن السيئات إذا اجتنبت الكبائر كما قال : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً » النساء : ٣١.
بل وصفهم بالإعراض عن اللغو دون مطلق تركه والإعراض يقتضي أمرا بالفعل يدعو إلى الاشتغال به فيتركه الإنسان صارفا وجهه عنه إلى غيره لعدم اعتداده به واعتنائه بشأنه ، ولازمه ترفع النفس عن الأعمال الخسيسة واعتلاؤها عن الاشتغال بما ينافي الشرف والكرامة وتعلقها بعظائم الأمور وجلائل المقاصد.
ومن حق الإيمان أن يدعو إلى ذلك فإن فيه تعلقا بساحة العظمة والكبرياء ومنبع العزة والمجد والبهاء والمتصف به لا يهتم إلا بحياة سعيدة أبدية خالدة فلا يشتغل إلا بما يستعظمه الحق ولا يستعظم ما يهتم به سفلة الناس وجهلتهم ( ، وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ) ، ( وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ).
ومن هنا يظهر أن وصفهم بالإعراض عن اللغو كناية عن علو همتهم وكرامة نفوسهم.
قوله تعالى : « وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ » ذكر الزكاة مع الصلاة قرينة على كون المراد بها الإنفاق المالي دون الزكاة بمعنى تطهير النفس بإزالة رذائل الأخلاق عنها ولعل المراد بالزكاة المعنى المصدري وهو تطهير المال بالإنفاق منه دون المقدار المخرج من المال