ومن يثبت له إلها أو آلهة تدبر الأمر بالرضا والسخط من غير معاد إليه يعيش عيشة نظمها على أساس التقرب من الآلهة وإرضائها للفوز بأمتعة الحياة والظفر بما يشتهيه من نعم الدنيا.
ومن لا يهتم بأمر الربوبية ولا يرى للإنسان حياة خالدة كالماديين ومن يحذو حذوهم يبني سنة الحياة والقوانين الموضوعة الجارية في مجتمعة على أساس التمتع من الحياة الدنيا المحدودة بالموت.
فالدين سنة عملية مبنية على الاعتقاد في أمر الكون والإنسان بما أنه جزء من أجزائه ، وليس هذا الاعتقاد هو العلم النظري المتعلق بالكون والإنسان فإن العلم النظري لا يستتبع بنفسه عملا وإن توقف عليه العمل بل هو العلم بوجوب الجري على ما يقتضيه هذا النظر وإن شئت فقل : الحكم بوجوب اتباع المعلوم النظري والالتزام به وهو العلم العملي كقولنا : يجب أن يعبد الإنسان الإله تعالى ويراعي في أعماله ما يسعد به في الدنيا والآخرة معا.
ومعلوم أن الدعوة الدينية متعلقة بالدين الذي هو السنة العملية المبنية على الاعتقاد ، فالإيمان الذي يتعلق به الدعوة هو الالتزام بما يقتضيه الاعتقاد الحق في الله سبحانه ورسله واليوم الآخر وما جاءت به رسله وهو علم عملي.
والعلوم العملية تشتد وتضعف حسب قوة الدواعي وضعفها فإنا لسنا نعمل عملا قط إلا طمعا في خير أو نفع أو خوفا من شر أو ضرر ، وربما رأينا وجوب فعل لداع يدعو إليه ثم صرفنا عنه داع آخر أقوى منه وآثر ، كمن يرى وجوب أكل الغذاء لرفع ما به من جوع فيصرفه عن ذلك علمه بأنه مضر له مناف لصحته ، فبالحقيقة يقيد الداعي المانع بما معه من العلم إطلاق العلم الذي مع الداعي الممنوع كأنه يقول مثلا : إن التغذي لرفع الجوع ليس يجب مطلقا بل إنما يجب إذا لم يكن مضرا بالبدن مضادا لصحته.
ومن هنا يظهر أن الإيمان بالله إنما يؤثر أثره من الأعمال الصالحة والصفات الجميلة النفسانية كالخشية والخشوع والإخلاص ونحوها إذا لم تغلبه الدواعي الباطلة والتسويلات الشيطانية ، وبعبارة أخرى إذا لم يكن إيمانا مقيدا بحال دون حال كما قال تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » الحج ـ ٦١.