والمعتقدون بصانع وراء المادة كالوثنية يبنون سننهم وقوانينهم على إرضاء الآلهة ليسعدوهم في حياتهم الدنيوية والمعتقدون بالمبدإ والمعاد يبنون حياتهم على أساس يسعدهم في الحياة الدنيوية ثم في الحياة المؤبدة التي بعد الموت فصور الحياة الاجتماعية تختلف باختلاف الأصول الاعتقادية في حقيقة العالم والإنسان الذي هو جزء من أجزائه.
وأما القوانين والسنن الاجتماعية فلو لا وجود قوانين وسنن مشتركة يحترمها المجتمعون جميعهم أو أكثرهم ويتسلمونها تفرق الجمع وانحل المجتمع.
وهذه السنن والقوانين قضايا كلية عملية صورها : يجب أن يفعل كذا عند كذا أو يحرم أو يجوز وهي أيا ما كانت معتبرة في العمل لغايات مصلحة للاجتماع والمجتمع تترتب عليها تسمى مصالح الأعمال ومفاسدها.
٣ ـ قد عرفت أن الإنسان إنما ينال ما قدر له من كمال وسعادة بعقد مجتمع صالح يحكم فيه سنن وقوانين صالحة تضمن بلوغه ونيله سعادته التي تليق به وهذه السعادة أمر أو أمور كمالية تكوينية تلحق الإنسان الناقص الذي هو أيضا موجود تكويني فتجعله إنسانا كاملا في نوعه تاما في وجوده.
فهذه السنن والقوانين ـ وهي قضايا عملية اعتبارية ـ واقعة بين نقص الإنسان وكماله متوسطة كالعبرة بين المنزلتين وهي كما عرفت تابعة للمصالح التي هي كمال أو كمالات إنسانية ، وهذه الكمالات أمور حقيقية مسانخة ملائمة للنواقص التي هي مصاديق حوائج الإنسان الحقيقية.
فحوائج الإنسان الحقيقية هي التي وضعت هذه القضايا العملية واعتبرت هذه النواميس الاعتبارية ، والمراد بالحوائج هي ما تطلبه النفس الإنسانية بأميالها وعزائمها ويصدقه العقل الذي هو القوة الوحيدة التي تميز بين الخير والنافع وبين الشر والضار دون ما تطلبه الأهواء النفسانية مما لا يصدقه العقل فإنه كمال حيواني غير إنساني.
فأصول هذه السنن والقوانين يجب أن تكون الحوائج الحقيقة التي هي بحسب الواقع حوائج لا بحسب تشخيص الأهواء النفسانية.
وقد عرفت أن الصنع والإيجاد قد جهز كل نوع من الأنواع ـ ومنها الإنسان ـ