قوله تعالى : « اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ » إلخ ، اسم الجلالة مبتدأ و « الَّذِي خَلَقَكُمْ » خبره ، وكذا قوله : « مَنْ يَفْعَلُ » إلخ مبتدأ خبره « مِنْ شُرَكائِكُمْ » المقدم عليه والاستفهام إنكاري وقد ذكر في تركيب الآية احتمالات أخر.
والمعنى : أن الله سبحانه هو الذي اتصف بكذا وكذا وصفا من أوصاف الألوهية والربوبية فهل من الآلهة الذين تدعون أنهم آلهة من يفعل شيئا من ذلكم يعني من الخلق والرزق والإماتة والإحياء وإذ ليس منهم من يفعل شيئا من ذلكم فالله سبحانه هو إلهكم وربكم لا إله إلا هو.
ولعل الوجه في ذكر الخلق مع الرزق والإحياء والإماتة مع تكرر تقدم ذكره في سلك الاحتجاجات السابقة الإشارة إلى أن الرزق لا ينفك عن الخلق بمعنى أن بعض الخلق يسمى بالقياس إلى بعض آخر يديم بقاءه به رزقا فالرزق في الحقيقة من الخلق فالذي يخلق الخلق هو الذي يرزق الرزق.
فليس لهم أن يقولوا : إن الرازق وكذا المحيي والمميت بعض آلهتنا كما ربما يدعيه بعضهم أن مدبر عالم الإنسان بعض الآلهة ومدبر كل شأن من شئون العالم من الخيرات والشرور بعضهم لكنهم لا يختلفون أن الخلق والإيجاد منه تعالى لا يشاركه في ذلك أحد فإذا سلم ذلك ومن المسلم أن الرزق مثلا خلق وكذا سائر الشئون لا تنفك عن الخلق رجع الأمر كالخلق إليه تعالى ولم يبق لآلهتهم شأن من الشئون.
ثم نزه سبحانه نفسه عن شركهم فقال : « سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ».
قوله تعالى : « ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » الآية بظاهر لفظها عامة لا تختص بزمان دون زمان أو بمكان أو بواقعة خاصة ، فالمراد بالبر والبحر معناهما المعروف ويستوعبان سطح الكرة الأرضية.
والمراد بالفساد الظاهر المصائب والبلايا الظاهرة فيهما الشاملة لمنطقة من مناطق الأرض من الزلازل وقطع الأمطار والسنين والأمراض السارية والحروب والغارات وارتفاع الأمن وبالجملة كل ما يفسد النظام الصالح الجاري في العالم الأرضي سواء كان