وتعد ذلك من فضله نظرا إلى أن نفس هذه المقابلة والمبادلة فضل منه سبحانه ومنشؤه حبه تعالى لهم كما يومئ إليه تذييل الآية بقوله : « إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ ».
ومن هنا يظهر أن قوله : « إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ » ، يفيد التعليل بالنسبة إلى جانبي النفي والإثبات جميعا أي أنه تعالى يخص المؤمنين العاملين للصالحات بهذا الفضل ويحرم الكافرين منه لأنه يحب هؤلاء ولا يحب هؤلاء.
قوله تعالى : « وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » ، المراد بكون الرياح مبشرات تبشيرها بالمطر حيث تهب قبيل نزوله.
وقوله : « وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ » عطف على موضع مبشرات لما فيه من معنى التعليل والتقدير يرسل الرياح لتبشركم وليذيقكم من رحمته والمراد بإذاقة الرحمة إصابة أنواع النعم المترتبة على جريان الرياح كتلقيح الأشجار ودفع العفونات وتصفية الأجواء وغير ذلك مما يشمله إطلاق الجملة.
وقوله : « وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ » أي لجريان الرياح وهبوبها. وقوله : « وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » أي لتطلبوا من رزقه الذي هو من فضله.
وقوله : « وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » ، غاية معنوية كما أن الغايات المذكورة من قبل غايات صورية ، والشكر هو استعمال النعمة بنحو ينبئ عن إنعام منعمه أو الثناء اللفظي عليه بذكر إنعامه ، وينطبق بالأخرة على عبادته ولذلك جيء بلعل المفيدة للرجاء فإن الغايات المعنوية الاعتبارية ربما تخلفت.
قوله تعالى : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ » قال الراغب : أصل الجرم ـ بالفتح فالسكون ـ قطع الثمرة عن الشجر ـ إلى أن قال ـ وأجرم صار ذا جرم نحو أثمر وأتمر وألبن وأستعير ذلك لكل اكتساب مكروه ، ولا يكاد يقال في عامة كلامهم للكيس المحمود انتهى.
والآية كالمعترضة وكأنها مسوقة لبيان أن للمؤمنين حقا على ربهم وهو نصرهم في الدنيا والآخرة ومنه الانتقام من المجرمين ، وهذا الحق مجعول من قبله تعالى لهم على