( بيان )
غرض السورة كما يومئ إليه فاتحتها وخاتمتها ويشير إليه سياق عامة آياتها الدعوة إلى التوحيد والإيقان بالمعاد والأخذ بكليات شرائع الدين.
ويلوح من صدر السورة أنها نزلت في بعض المشركين حيث كان يصد الناس عن استماع القرآن بنشر بعض أحاديث مزوقة ملهية كما ورد فيه الأثر في سبب نزول قوله : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ » الآية ، وسيوافي حديثه. فنزلت السورة تبين أصول عقائد الدين وكليات شرائعه الحقة وقصت شيئا من خبر لقمان الحكيم ومواعظه تجاه أحاديثهم الملهية.
والسورة مكية بشهادة سياق آياتها. ومن غرر الآيات فيها قوله تعالى : « ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ » الآية.
قوله تعالى : « تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ـ إلى قوله ـ يُوقِنُونَ » تقدم تفسير مفردات هذه الآيات في السور السابقة.
وقد وصف الكتاب بالحكيم إشعارا بأنه ليس من لهو الحديث من شيء بل كتاب لا انثلام فيه ليداخله لهو الحديث وباطل القول ، ووصفه أيضا بأنه هدى ورحمة للمحسنين تتميما لصفة حكمته فهو يهدي إلى الواقع الحق ويوصل إليه لا كاللهو الشاغل للإنسان عما يهمه ، وهو رحمة لا نقمة صارفة عن النعمة.
ووصف المحسنين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللتين هما العمدتان في الأعمال وبالإيقان بالآخرة ويستلزم التوحيد والرسالة وعامة التقوى ، كل ذلك مقابلة الكتاب للهو الحديث المصغي إليه لمن يستمع لهو الحديث.
قوله تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً » إلخ ، اللهو ما يشغلك عما يهمك ، ولهو الحديث : الحديث الذي يلهي عن الحق بنفسه كالحكايات الخرافية والقصص الداعية إلى الفساد والفجور ، أو بما يقارنه كالتغني بالشعر أو بالملاهي والمزامير والمعازف فكل ذلك يشمله لهو الحديث.
( ١٦ ـ الميزان ـ ١٤ )