شكر الوالدين كوجوب الشكر لله بل هو من شكره تعالى لانتهائه إلى وصيته وأمره تعالى ، فشكرهما عبادة له تعالى وعبادته شكر.
وقوله : « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ » ذكر بعض ما تحملته أمه من المحنة والأذى في حمله وتربيته ليكون داعيا له إلى شكرهما وخاصة الأم.
والوهن الضعف وهو حال بمعنى ذات وهن أو مفعول مطلق والتقدير تهن وهنا على وهن ، والفصال الفطم وترك الإرضاع ، ومعنى كون الفصال في عامين تحققه بتحقق العامين فيئول إلى كون الإرضاع عامين ، وإذا ضم إلى
قوله تعالى : « وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً » الأحقاف : ١٥ بقي لأقل الحمل ستة أشهر ، وستكرر الإشارة إليه فيما سيأتي (١).
وقوله : « أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ » تفسير لقوله : « وَصَّيْنَا » إلخ ، في أول الآية أي كانت وصيتنا هو أمرنا بشكرهما كما أمرناه بشكر الله ، وقوله : « إِلَيَّ الْمَصِيرُ » إنذار وتأكيد للأمر بالشكر.
والقول في الالتفات الواقع في الآية في قوله : « أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ » إلخ ، من سياق التكلم مع الغير إلى سياق التكلم وحده كالقول في الالتفات في قوله السابق : « أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ».
قوله تعالى : « وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما » إلى آخر الآية. أي إن ألحا عليك بالمجاهدة أن تجعل ما ليس لك علم به أو بحقيقته شريكا لي فلا تطعهما ولا تشرك بي ، والمراد بكون الشريك المفروض لا علم به كونه معدوما مجهولا مطلقا لا يتعلق به علم فيئول المعنى : لا تشرك بي ما ليس بشيء ، هذا محصل ما ذكره في الكشاف ، وربما أيده قوله تعالى : « أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ » يونس : ١٨.
وقيل : « تُشْرِكَ » بمعنى تكفر و « ما » بمعنى الذي ، والمعنى : وإن جاهداك أن تكفر بي كفرا لا حجة لك به فلا تطعهما ويؤيده تكرار نفي السلطان على الشريك
__________________
(١) في بحث روائي في ذيل آية الأحقاف.