في كلامه تعالى كقوله : « ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ » يوسف : ٤٠ إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله : « وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ » الجملتان كالتلخيص والتوضيح لما تقدم في الآيتين من الوصية بهما والنهي عن إطاعتهما إن جاهدا على الشرك بالله.
يقول سبحانه : يجب على الإنسان أن يصاحبهما في الأمور الدنيوية غير الدين الذي هو سبيل الله صحابا معروفا ومعاشرة متعارفة غير منكرة من رعاية حالهما بالرفق واللين من غير جفاء وخشونة وتحمل المشاق التي تلحقه من جهتهما فليست الدنيا إلا أياما معدودة متصرمة ، وأما الوالدين فإن كانا ممن أناب إلى الله فلتتبع سبيلهما وإلا فسبيل غيرهما ممن أناب إلى الله.
ومن هنا يظهر أن في قوله : « وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ » إيجازا لطيفا فهو يفيد أنهما لو كانا من المنيبين إلى الله فلتتبع سبيلهما وإلا فلا يطاعا ولتتبع سبيل غيرهما ممن أناب إلى الله.
وقوله : « ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » أي هذا الذي ذكر ، تكليفكم في الدنيا ثم ترجعون إلي يوم القيامة فأظهر لكم حقيقة أعمالكم التي عملتموها في الدنيا فأقضي بينكم على حسب ما تقتضيه أعمالكم من خير أو شر.
وبما مر يظهر أن قوله : « فِي الدُّنْيا » يفيد أولا قصر المصاحبة بالمعروف في الأمور الدنيوية دون الدينية ، وثانيا : تهوين أمر الصحبة وأنها ليست إلا في أيام قلائل فلا كثير ضير في تحمل مشاق خدمتهما ، وثالثا المقابلة ليوم الرجوع إلى الله المشار إليه بقوله : « ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ » إلخ.
قوله تعالى : « يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ » إلخ ، ذكروا أن الضمير في « إِنَّها » للخصلة من الخير والشر لدلالة السياق على ذلك وهو أيضا اسم كان و « مِثْقالَ حَبَّةٍ » خبره ، والمراد بكونها في صخرة اختفاؤها بالاستقرار في جوف الصخرة الصماء أو في السماوات أو في الأرض ، والمراد بالإتيان بها إحضارها للحساب والجزاء.