كان الفصل السابق من كلامه المنقول راجعا إلى التوحيد ونفي الشريك وما في هذه الآية فصل ثان في المعاد وفيه حساب الأعمال ، والمعنى : يا بني إن تكن الخصلة التي عملت من خير أو شر أخف الأشياء وأدقها كمثقال حبة من خردل فتكن تلك الخصلة الصغيرة مستقرة في جوف صخرة أو في أي مكان من السماوات والأرض يأت بها الله للحساب والجزاء لأن الله لطيف ينفذ علمه في أعماق الأشياء ويصل إلى كل خفي خبير يعلم كنه الموجودات.
قوله تعالى : « يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » الآية وما بعدها من كلامه راجع إلى نبذة من الأعمال والأخلاق الفاضلة.
فمن الأعمال الصلاة التي هي عمود الدين ويتلوها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن الأخلاق الصبر على ما يصيب من مصيبة.
وقوله : « إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » الإشارة إلى الصبر والإشارة البعيدة للتعظيم والترفيع وقول بعضهم : إن الإشارة إلى جميع ما تقدم من الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر ليس في محله لتكرر عد الصبر من عزم الأمور في كلامه تعالى كقوله : « وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » الشورى : ٤٣ وقوله : « إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » آل عمران : ١٨٦.
والعزم ـ على ما ذكره الراغب ـ عقد القلب على إمضاء الأمر وكون الصبر ـ وهو حبس النفس في الأمر ـ من العزم إنما هو من حيث إن العقد القلبي ما لم ينحل وينفصم ثبت الإنسان على الأمر الذي عقد عليه فالصبر لازم الجد في العقد والمحافظة عليه وهو من قدرة النفس وشهامتها.
وقول بعضهم : إن المعنى أن ذلك من عزيمة الله وإيجابه في الأمور بعيد وكذا قول بعضهم : إن العزم هو الجزم وهو لغة هذيل.
قوله تعالى : « وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ » قال الراغب : الصعر ميل في العنق والتصعير إمالته عن النظر كبرا قال : « وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ » وقال : المرح شدة الفرح والتوسع فيه انتهى.