« فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » بما أنه استعارة تمثيلية عن النجاة والفلاح.
قوله تعالى : « وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ـ إلى قوله ـ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ » تسلية للنبي صلىاللهعليهوآله وتطييب لنفسه أن لا يغلبه الحزن وهم بالآخرة راجعون إليه تعالى فينبؤهم بما عملوا أي يظهر لهم حقيقة أعمالهم وتبعاتها وهي النار.
وقوله : « نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ » كشف عن حقيقة حالهم ببيان آخر فإن البيان السابق « إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا » ربما أوهم أنهم ما داموا متنعمين في الدنيا خارجون من قدرة الله ثم إذا ماتوا أو بعثوا دخلوا فيما خرجوا منه فانتقم منهم بالعذاب جيء بهذا البيان للدلالة على أنهم غير خارجين من التدبير قط وإنما يمتعهم في الدنيا قليلا ثم يضطرهم إلى عذاب غليظ فهم مغلوبون مقهورون على كل حال وأمرهم إلى الله دائما لن يعجزوا الله في حال التنعم ولا غيرها.
قوله تعالى : « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ » إشارة إلى أنهم مفطورون على التوحيد معترفون به من حيث لا يشعرون ، فإنهم إن سئلوا عمن خلق السماوات والأرض اعترفوا بأنه الله عز اسمه وإذا كان الخالق هو هو فالمدبر لها هو هو لأن التدبير لا ينفك عن الخلق ، وإذا كان مدبر الأمر والمنعم الذي يبسط ويقبض ويرجى ويخاف هو فالمعبود هو هو وحده لا شريك له فقد اعترفوا بالوحدة من حيث لا يعلمون.
ولذلك أمره صلىاللهعليهوآله أن يحمد الله على اعترافهم من حيث لا يشعرون فقال : « قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ » ثم أشار إلى أن كون أكثرهم لا يعلمون معنى اعترافهم أن الله هو الخالق وما يستلزمه فقال : « بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ » نعم قليل منهم يعلمون ذلك ولكنهم لا يطاوعون الحق بل يجحدونه وقد أيقنوا به كما قال تعالى : « وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ » النمل : ١٤.
قوله تعالى : « لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ » لما كان اعترافهم بأن الخالق هو الله سبحانه إنما يثبت التوحد بالربوبية والألوهية إذا كان التدبير والتصرف إليه تعالى وكان نفس الخلق كافيا في استلزامه اكتفى به في تمام الحجة واستحمد النبي صلىاللهعليهوآله واستجهل القوم لغفلتهم.