استقلال عدتهم أي فلما نجا الله سبحانه هؤلاء الداعين بالإخلاص إلى البر فقليل منهم المقتصدون.
وقوله : « وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ » الختار مبالغة من الختر وهو شدة الغدر وفي السياق دليل على الاستكثار والمعنى ظاهر.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ » لما ساق الحجج والمواعظ الشافية الوافية جمعهم في خاتمتها في خطاب عام يدعوهم إلى التقوى وينذرهم بيوم القيامة الذي لا يغني فيه مغن إلا الإيمان والتقوى.
قال الراغب : الجزاء الغنى والكفاية ، وقال : يقال : غررت فلانا أصبت غرته ونلت منه ما أريد والغرة غفلة في اليقظة والغرار غفلة مع غفوة ، إلى أن قال : فالغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وبالدنيا لما قيل : الدنيا تغر وتضر وتمر انتهى.
فمعنى الآية : « يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ » وهو الله سبحانه « وَاخْشَوْا يَوْماً » وهو يوم القيامة « لا يَجْزِي » لا يغني « والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ » مغن كاف « عَنْ والِدِهِ » شَيْئاً « إِنَّ وَعْدَ اللهِ » بالبعث « حَقٌ » ثابت لا يخلف « فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا » بزينتها الغارة « وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ » أي جنس ما يغر الإنسان من شئون الحياة الدنيا أو خصوص الشيطان.
قوله تعالى : « إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » الغيث المطر ومعنى جمل الآية ظاهر.
وقد عد سبحانه أمورا ثلاثة مما تعلق به علمه وهي العلم بالساعة وهو مما استأثر الله علمه لنفسه لا يعلمه إلا هو ويدل على القصر قوله : « إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ » وتنزيل الغيث وعلم ما في الأرحام ويختصان به تعالى إلا أن يعلمه غيره.
وعد أمرين آخرين يجهل بهما الإنسان وبذلك يجهل كل ما سيجري عليه من الحوادث وهو قوله : « وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً » وقوله : « وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ».