فكان من الواجب عند إقامة الحجة لإبطال قولهم إن يذكر أمر الخلقة ثم يتعقب بأمر التدبير لمكان تلازمهما وعدم انفكاك أحدهما من الآخر حتى يكون موجد الأشياء وخالقها هو الذي يربها ويدبر أمرها فيكون ربا وحده وإلها وحده كما أنه موجد خالق وحده.
ولذلك بعينه ذكر أمر التدبير بعد ذكر الخلقة في الآية التي نحن فيها إذ قيل : « خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ـ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ » فالولاية والشفاعة كالاستواء على العرش من شئون التدبير.
وقوله : « ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ » الولي هو الذي يملك تدبير أمر الشيء ومن المعلوم أن أمورنا والشئون التي تقوم به حياتنا قائمة بالوجود محكومة مدبرة للنظام العام الحاكم في الأشياء عامة وما يخص بنا من نظام خاص ، والنظام أيا ما كان من لوازم خصوصيات خلق الأشياء والخلقة كيفما كانت مستندة إليه تعالى فهو تعالى ولينا القائم بأمرنا المدبر لشئوننا وأمورنا ، كما هو ولي كل شيء كذلك وحده لا شريك له.
والشفيع ـ على ما تقدم في مباحث الشفاعة في الجزء الأول من الكتاب ـ هو الذي ينضم إلى سبب ناقص فيتمم سببيته وتأثيره ، والشفاعة تتميم السبب الناقص في تأثيره وإذا طبقناها على الأسباب والمسببات الخارجية كانت أجزاء الأسباب المركبة وشرائطها بعضها شفيعا لبعض لتتميم حصة من الأثر منسوبة إليه كما أن كلا من السحاب والمطر والشمس والظل وغيرها شفيع للنبات.
وإذ كان موجد الأسباب وأجزائها والرابط بينها وبين المسببات هو الله سبحانه فهو الشفيع بالحقيقة الذي يتمم نقصها ويقيم صلبها فالله سبحانه هو الشفيع بالحقيقة لا شفيع غيره.
وببيان آخر أدق قد تقدم في البحث عن الأسماء الحسنى في الجزء الثامن من الكتاب أن أسماءه تعالى الحسنى وسائط بينه وبين خلقه في إيصال الفيض إليهم فهو تعالى يرزقهم مثلا بما أنه رازق جواد غني رحيم ويشفي المريض بما أنه شاف معاف رءوف رحيم ويهلك الظالمين بما أنه شديد البطش ذو انتقام عزيز وهكذا.