فما من شيء من المخلوقات المركبة الوجود إلا ويتوسط لوجوده عدة من الأسماء الحسنى بعضها فوق بعض وبعضها في عرض بعض وكل ما هو أخص منها يتوسط بين الشيء وبين الأعم منها كما أن الشافي يتوسط بين المريض وبين الرءوف الرحيم والرحيم يتوسط بينه وبين القدير وهكذا.
والتوسط المذكور في الحقيقة تتميم لتأثير السبب فيه وإن شئت فقل هو تقريب للشيء من السبب لفعلية تأثيره وينتج منه أنه تعالى شفيع ببعض أسمائه عند بعض فهو الشفيع ليس من دونه شفيع في الحقيقة فافهم.
وقد تبين بما مر أن لا إشكال في إطلاق الشفيع عليه تعالى بمعنى كونه شفيعا بنفسه عند نفسه وحقيقته توسط صفة من صفاته الكريمة بين الشيء وصفة من صفاته كما يستعاذ من سخطه إلى رحمته ومن عدله إلى فضله ، وأما كونه تعالى شفيعا بمعنى شفاعته لشيء عند غيره فهو مما لا يجوز البتة.
والقوم لتقريبهم إشكال إطلاق الشفيع عليه تعالى على المعنى الثاني أي بمعنى كونه شفيعا عند غيره اختلفوا في تفسير الآية على أقوال :
فقال بعضهم : إن دون في قوله : « ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ » بمعنى عند و « مِنْ دُونِهِ » حال من ضمير « لَكُمْ » والمعنى : ما لكم حال كونكم مجاوزين دونه ومن عند ولي ولا شفيع أي لا ولي لكم ولا شفيع ففيه نفي الولي والشفيع لهم عند الله.
وفيه أن دون وإن صح كونه بمعنى عند لكن وجود « مِنْ » قرينة على أنه بمعنى غير ، ولا معنى لأخذ المجاوزة ورجوع « ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ » إلى معنى « ما لكم عنده ».
وقال بعضهم : إن الشفيع في الآية بمعنى الناصر مجازا ودون بمعنى غير و « مِنْ دُونِهِ » حال من « وَلِيٍ » والمعنى : ما لكم ولي ولا ناصر غيره ، وفيه أنه تجوز من غير موجب.
وقال بعضهم إن إطلاق الشفيع هنا من قبيل المشاكلة التقديرية لما أن المشركين المنذرين كثيرا ما كانوا يقولون في آلهتهم : هؤلاء شفعاؤنا ويزعمون أن كل واحد منهم شفيع لهم والمعنى : على هذا لو فرض وقدر أن الإله ولي شفيع ما لكم ولي ولا شفيع غير الله سبحانه.