وقال بعضهم : إن دون بمعنى عند والضمير في « مِنْ دُونِهِ » للعذاب ، والمعنى : ليس لكم من دون عذابه ولي ، أي قريب ينفعكم ويرد عذابه عنكم ولا شفيع يشفع لكم.
وفيه أن إرجاع الضمير إلى العذاب تحكم من غير دليل ، ويرد على جميع هذه الوجوه أنها تكلفات ناشئة من أخذ الشفيع غير المشفوع عنده وقد عرفت أن المعنى تحليلي والشفيع والمشفوع عنده واحد.
وقوله : « أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ » استفهام توبيخي يوبخهم على استمرارهم على الإعراض عن أدلة العقول حتى يتذكروا أن الملك والتدبير لله سبحانه وهو المعبود بالحق ليس لهم دونه ولي ولا شفيع كما يزعمون ذلك لآلهتهم.
قوله تعالى : « يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ » تتميم لبيان أن تدبير أمر الموجودات قائم به سبحانه وهذا هو القرينة على أن المراد بالأمر في الآية الشأن دون الأمر المقابل للنهي.
والتدبير وضع الشيء في دابر الشيء والإتيان بالأمر بعد الأمر فيرجع إلى إظهار وجود الحوادث واحدا بعد واحد كالسلسلة المتصلة بين السماء والأرض وقد قال تعالى : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » الحجر : ٢١ وقال : « إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ » القمر : ٤٩.
وقوله : « ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ » بعد قوله : « يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ » لا يخلو من إشعار بأن « يُدَبِّرُ » مضمن معنى التنزيل والمعنى : يدبر الأمر منزلا أو ينزله مدبرا ـ من السماء إلى الأرض ولعله الأمر الذي يشير إليه قوله : « فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها » حم السجدة : ١٢.
وفي قوله : « يَعْرُجُ إِلَيْهِ » إشعار بأن المراد بالسماء مقام القرب الذي تنتهي إليه أزمة الأمور دون السماء بمعنى جهة العلو أو ناحية من نواحي العالم الجسماني فإن الأمر قد وصف قبل العروج بالنزول فظاهر العروج أنه صعود من الطريق التي نزل منها ، ولم يذكر هناك إلا علو هو السماء ، وسفل هو الأرض ونزول وعروج فالنزول من السماء والعروج إلى الله يشعر بأن السماء هو مقام الحضور الذي يصدر منه تدبير