الأمر أو أن موطن تدبير الأمر الأرضي هو السماء والله المحيط بكل شيء ينزل التدبير الأرضي من هذا الموطن ، ولعل هذا هو الأقرب إلى الفهم بالنظر إلى قوله : « وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها ».
وقوله : « فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ » معناه على أي حال أنه في ظرف لو طبق على ما في الأرض من زمان الحوادث ومقدار حركتها انطبق على ألف سنة مما نعده فإن من المسلم أن الزمان الذي يقدره ما نعده من الليل والنهار والشهور والسنين لا يتجاوز العالم الأرضي.
وإذ كان المراد بالسماء هو عالم القرب والحضور وهو مما لا سبيل للزمان إليه كان المراد أنه وعاء لو طبق على مقدار حركة الحوادث في الأرض كان مقداره ألف سنة مما تعدون.
وأما أن هذا المقدار هل هو مقدار النزول واللبث والعروج أو مقدار مجموع النزول والعروج دون اللبث أو مقدار كل واحد من النزول والعروج أو مقدار نفس العروج فقط بناء على أن « فِي يَوْمٍ » قيد لقوله : « يَعْرُجُ إِلَيْهِ » فقط كما وقع في قوله : « تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ » المعارج : ٤.
ثم على تقدير كون الظرف قيدا للعروج هل العروج مطلق عروج الحوادث إلى الله أو العروج يوم القيامة وهو مقدار يوم القيامة ، وأما كونه خمسين ألف سنة فهو بالنسبة إلى الكافر من حيث الشقة أو أن الألف سنة مقدار مشهد من مشاهد يوم القيامة وهو خمسون موقفا كل موقف مقداره ألف سنة.
ثم المراد بقوله : « مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ » هل هو التحديد حقيقة أو المراد مجرد التكثير كما في قوله : « يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ » البقرة : ٩٦ أي يعمر عمرا طويلا جدا وإن كان هذا الاحتمال بعيدا من السياق.
والآية ـ كما ترى ـ تحتمل الاحتمالات جميعا ولكل منها وجه والأقرب من بينها إلى الذهن كون « فِي يَوْمٍ » قيدا لقوله : « ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ » وكون المراد بيوم عروج الأمر مشهدا من خمسين مشهدا من مشاهد يوم القيامة ، والله أعلم.
قوله تعالى : « ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ » تقدم تفسير مفردات الآية ، ومناسبة الأسماء الثلاثة الكريمة للمقام ظاهرة.