الإلهي أنزه ساحة أن يتعاطى هذا النوع من المحاجة.
لكنه تعالى أمر رسوله أن يجيب عن حجتهم المبنية على الاستبعاد بأن حقيقة الموت ليس بطلانا لكم وضلالا منكم في الأرض بل ملك الموت الموكل بكم يأخذكم تامين كاملين من أجسادكم أي ينزع أرواحكم من أبدانكم بمعنى قطع علاقتها من الأبدان وأرواحكم تمام حقيقتكم فأنتم أي ما يعني بلفظة « كم » محفوظون لا يضل منكم شيء في الأرض وإنما يضل الأبدان وتتغير من حال إلى حال وقد كانت في معرض التغير من أول كينونتها. ثم إنكم محفوظون حتى ترجعوا إلى ربكم بالبعث ورجوع الأرواح إلى أجسادها.
وبهذا يندفع حجتهم على نفي المعاد بضلالهم سواء قررت على نحو الاستبعاد أو قررت على أن تلاشي البدن يبطل شخصية الإنسان فينعدم ولا معنى لإعادة المعدوم فإن حقيقة الإنسان هي نفسه التي يحكي عنها بقول « أنا » وهي غير البدن والبدن تابع لها في شخصيته وهي لا تتلاشى بالموت ولا تنعدم بل محفوظة في قدرة الله حتى يؤذن في رجوعها إلى ربها للحساب والجزاء فيبعث على الشريطة التي ذكر الله سبحانه.
وظهر بما تقدم أولا وجه اتصال قوله : « قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ » إلخ بقوله : « أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ » إلخ وأنه جواب حاسم للإشكال قاطع للشبهة ، وقد أشكل الأمر على بعض من فسر التوفي بمطلق الإماتة من غير التفات إلى نكتة التعبير بلفظ التوفي فتكلف في توجيه اتصال الآيتين بما لا يرتضيه العقل السليم.
وثانيا : أن الآية من أوضح الآيات القرآنية الدالة على تجرد النفس بمعنى كونها غير البدن أو شيء من حالات البدن.
قوله تعالى : « وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ » نكس الرأس إطراقه وطأطأته ، والمراد بالمجرمين بقرينة ذيل الآية خصوص المنكرين للمعاد فاللام فيه لا تخلو من معنى العهد أي هؤلاء الذين يجحدون المعاد ويقولون : « أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ » إلخ.
وفي التعبير عن البعث بقوله : « عِنْدَ رَبِّهِمْ » محاذاة لما تقدم من قوله : « بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ » أي واقفون موقفا من اللقاء لا يسعهم إنكاره ، وقولهم : « أَبْصَرْنا