قيل : المراد بضم الجناح إليه من الرهب أن يجمع يديه على صدره إذا عرضه الخوف عند مشاهدة انقلاب العصا حية ليذهب ما في قلبه من الخوف.
وقيل : إنه لما ألقى العصا وصارت حية بسط يديه كالمتقي وهما جناحاه فقيل له : اضمم إليك جناحك أي لا تبسط يديك خوف الحية فإنك آمن من ضررها.
والوجهان ـ كما ترى ـ مبنيان على كون الجملة أعني قوله : « وَاضْمُمْ » إلخ ، من تتمة قوله : « أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ » وهذا لا يلائم تخلل قوله : « اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ » إلخ ، بين الجملتين بالفصل من غير عطف.
وقيل : الجملة كناية عن الأمر بالعزم على ما أراده الله سبحانه منه والحث على الجد في أمر الرسالة لئلا يمنعه ما يغشاه من الخوف في بعض الأحوال.
ولا يبعد أن يكون المراد بالجملة الأمر بأن يأخذ لنفسه سيماء الخاشع المتواضع فإن من دأب المتكبر المعجب بنفسه أن يفرج بين عضديه وجنبيه كالمتمطي في مشيته فيكون في معنى ما أمر الله به النبي صلىاللهعليهوآله من التواضع للمؤمنين بقوله : « وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ » الحجر : ٨٨ على بعض المعاني.
قوله تعالى : « قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » إشارة إلى قتله القبطي بالوكز وكان يخاف أن يقتلوه قصاصا.
قوله تعالى : « وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ » قال في المجمع : يقال : فلان ردء لفلان إذا كان ينصره ويشد ظهره. انتهى.
وقوله : « إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ » تعليل لسؤاله إرسال هارون معه ، والسياق يدل على أنه كان يخاف أن يكذبوه فيغضب ولا يستطيع بيان حجته للكنة كانت في لسانه لا أنه سأل إرساله لئلا يكذبوه فإن من يكذبه لا يبالي أن يكذب هارون معه ومن الدليل على ذلك ما وقع في سورة الشعراء في هذا الموضع من القصة من قوله : « قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ » الشعراء : ١٣.
فمحصل المعنى : أن أخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معينا لي يبين