وقوله : « أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » أن فيه تفسيرية ، وفيه إنباء عن الذات المتعالية المسماة باسم الجلالة الموصوفة بوحدانية الربوبية النافية لمطلق الشرك إذ كونه ربا للعالمين جميعا ـ والرب هو المالك المدبر لملكه الذي يستحق العبادة من مملوكيه ـ لا يدع شيئا من العالمين يكون مربوبا لغيره حتى يكون هناك رب غيره وإله معبود سواه.
ففي الآية إجمال ما فصله في سورة طه في هذا الفصل من النداء من الإشارة إلى الأصول الثلاثة أعني التوحيد والنبوة والمعاد إذ قال : « إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ » الآيات : طه : ١٤ ـ ١٦.
قوله تعالى : « وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى : مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ » تقدم تفسيره في سورة النمل.
قوله تعالى : « يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ » بتقدير القول أي قيل له : أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ، وفي هذا الخطاب تأمين له ، وبه يظهر معنى قوله في هذا الموضع من القصة في سورة النمل : « يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ » النمل : ١٠ وأنه تأمين معناه أنك مرسل والمرسلون آمنون لدي وليس من العتاب والتوبيخ في شيء.
قوله تعالى : « اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ » المراد بسلوك يده في جيبه إدخاله فيه ، والمراد بالسوء ـ على ما قيل ـ البرص.
والظاهر أن في هذا التقييد تعريضا لما في التوراة الحاضرة في هذا (١) الموضع من القصة : ثم قال له الرب أيضا : أدخل يدك في عبك فأدخل يده في عبه ثم أخرجها وإذا يده برصاء مثل الثلج.
قوله تعالى : « وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ » إلى آخر الآية ، الرهب بالفتح فالسكون وبفتحتين وبالضم فالسكون الخوف ، والجناح قيل : المراد به اليد وقيل : العضد.
__________________
(١) سفر الخروج الإصحاح الرابع آية ٦.
(١٦ ـ الميزان ـ ٣ )