وما يمنع فلا مؤتي له فكان مقتضى الظاهر أن يقال : ما يرسل الله للناس إلخ. كما عبر في الجملة الثانية بالإرسال لكنه عدل عن الإرسال إلى الفتح لما وقع مكررا في كلامه أن لرحمته خزائن كقوله : « أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ » ـ ص : ـ ٩ وقوله : « قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ » الإسراء : ـ ١٠٠ والتعبير بالفتح أنسب من الإرسال في الخزائن ففيه إشارة إلى أن الرحمة التي يؤتاها الناس مخزونة في خزائن محيطة بالناس لا يتوقف نيلهم منها إلا إلى فتحها من غير مئونة زائدة.
وقد عبر عن الرزق الذي هو النعمة بالرحمة للدلالة على أن إفاضته تعالى لهذه النعم ناشئة من مجرد الرحمة من غير توقع لنفع يعود إليه أو كمال يستكمل به.
وقوله : « وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ » أي وما يمنع من الرحمة فلا مرسل له من دونه ، وفي التعبير بقوله : « مِنْ بَعْدِهِ » إشارة إلى أنه تعالى أول في المنع كما أنه أول في الإعطاء.
وقوله : « وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » تقرير للحكم المذكور في الآية الكريمة بالاسمين الكريمين فهو تعالى لكونه عزيزا لا يغلب إذا أعطى فليس لمانع أن يمنع عنه وإذا منع فليس لمعط أن يعطيه ، وهو تعالى حكيم إذا أعطى أعطى عن حكمة ومصلحة وإذا منع منع عن حكمة ومصلحة وبالجملة لا معطي إلا الله ولا مانع إلا هو ، ومنعه وإعطائه عن حكمة.
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ » إلخ. لما قرر في الآية السابقة أن الإعطاء والمنع لله سبحانه لا يشاركه في ذلك أحد احتج في هذه الآية بذلك على توحده في الربوبية.
وتقرير الحجة أن الإله إنما يكون إلها معبودا لربوبيته وهي ملكة تدبير أمر الناس وغيرهم ، والذي يملك تدبير الأمر بهذه النعم التي يتقلب فيها الناس وغيرهم ويرتزقون بها هو الله سبحانه دون غيره من الآلهة التي اتخذوها لأنه سبحانه هو الذي خلقها دونهم والخلق لا ينفك عن التدبير ولا يفارقه فهو سبحانه إلهكم لا إله إلا هو لأنه ربكم الذي يدبر أمركم بهذه النعم التي تتقلبون فيها وإنما كان ربا مدبرا بهذه النعم لأنه