قوله تعالى : « فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى » إلخ الفاء في أول الآية فصيحة تدل على محذوف والتقدير فلما ولد له ونشأ وبلغ معه السعي ، والمراد ببلوغ السعي بلوغه من العمر مبلغا يسعى فيه لحوائج الحياة عادة وهو سن الرهاق ، والمعنى فلما راهق الغلام قال له يا بني « إلخ ».
وقوله : « قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ » هي رؤيا إبراهيم ذبح ابنه ، وقوله : « إِنِّي أَرى » يدل على تكرر هذه الرؤيا له كما في قوله : « وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى » الخ : يوسف : ـ ٣٣.
وقوله : « فَانْظُرْ ما ذا تَرى » هو من الرأي بمعنى الاعتقاد أي فتفكر فيما قلت وعين ما هو رأيك فيه ، وهذه الجملة دليل على أن إبراهيم عليهالسلام فهم من منامه أنه أمر له بالذبح مثل له في مثال نتيجة الأمر ولذا طلب من ابنه الرأي فيه وهو يختبره بما ذا يجيبه؟.
وقوله : « قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ » جواب ابنه ، وقوله : « يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ » إظهار رضا بالذبح في صورة الأمر وقد قال : افعل ما تؤمر ولم يقل اذبحني إشارة إلى أن أباه مأمور بأمر ليس له إلا ائتماره وطاعته.
وقوله : « سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ » تطييب منه لنفس أبيه أنه لا يجزع منه ولا يأتي بما يهيج وجد الوالد عن ولده المزمل بدمائه ، وقد زاد في كلامه صفاء على صفاء إذ قيد وعده بالصبر بقوله : « إِنْ شاءَ اللهُ » فأشار إلى أن اتصافه بهذه الصفة الكريمة أعني الصبر ليس له من نفسه ولا أن زمامه بيده بل هو من مواهب الله ومننه إن يشأ تلبس به وله أن لا يشاء فينزعه منه.
قوله تعالى : « فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ » الإسلام الرضا والاستسلام : والتل الصرع والجبين أحد جانبي الجبهة واللام في « لِلْجَبِينِ » لبيان ما وقع عليه الصراع كقوله : « يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً » الإسراء : ـ ١٠٧ ، والمعنى فلما استسلما إبراهيم وابنه لأمر الله ورضيا به وصرعة إبراهيم على جبينه.
وجواب لما محذوف إيماء إلى شدة المصيبة ومرارة الواقعة.
قوله تعالى : « وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا » معطوف على جواب