وبذلك يظهر أن العناية في الكلام إنما هي بتسبيحه في بطن الحوت خاصة فخير الأقوال الثلاثة أوسطها.
فالظاهر أن المراد بتسبيحه نداؤه في الظلمات بقوله : « لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » وقد قدم التهليل ليكون كالعلة المبينة لتسبيحه كأنه يقول : لا معبود بالحق يتوجه إليه غيرك فأنت منزه مما كان يشعر به فعلى أني آبق منك معرض عن عبوديتك متوجه إلى سواك إني كنت ظالما لنفسي في فعلي فها أنا متوجه إليك متبرئ مما كان يشعر به فعلى من التوجه عنك إلى غيرك.
فهذا معنى تسبيحه ولو لا ذلك منه لم ينج أبدا إذ كان سبب نجاته منحصرا في التسبيح والتنزيه بالمعنى الذي ذكر.
وبذلك يظهر أن المراد بقوله : « لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » تأبيد مكثه في بطنه إلى أن يبعث فيخرج منه كالقبر الذي يقبر فيه الإنسان ويلبث فيه حتى يبعث فيخرج منه قال تعالى : « مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى » طه : ـ ٥٥.
ولا دلالة في الآية على كونه عليهالسلام على تقدير اللبث حيا في بطن الحوت إلى يوم يبعثون أو ميتا وبطنه قبره مع بقاء بدنه وبقاء جسد الحوت على حالهما أو بنحو آخر فلا مساغ لاختلافهم في كونه عليهالسلام حيا على هذا التقدير أو ميتا وبطنه قبره ، وأن المراد بيوم يبعثون النفخة الأولى التي فيها يموت الخلائق أو النفخة الثانية أو التأجيل بيوم القيامة كناية عن طول اللبث.
قوله تعالى : « فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ » النبذ طرح الشيء والرمي به ، والعراء المكان الذي لا سترة فيه يستظل بها من سقف أو خباء أو شجر.
والمعنى على ما يعطيه السياق أنه صار من المسبحين فأخرجناه من بطن الحوت وطرحناه خارج الماء في أرض لا ظل فيها يستظل به وهو سقيم.
قوله تعالى : « وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ » اليقطين من نوع القرع ويكون ورقه عريضا مستديرا وقد أنبتها الله عليه ليستظل بورقها.
قوله تعالى : « وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ » أو في مورد الترقي وتفيد معنى بل ، والمراد بهذه الجماعة أهل نينوى.