لا يرضى لهم ذلك نبه في هذه الآية على أن الإنسان كفور بالطبع مع أنه يعرف ربه بالفطرة ولا يلبث عند الاضطرار دون أن يرجع إليه فيسأله كشف ضره كما قال : « وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً » الإسراء : ـ ٦٧ ، وقال : « إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ » إبراهيم : ـ ٣٤.
فقوله : « وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ » أي إذا أصاب الإنسان ضر من شدة أو مرض أو قحط ونحوه دعا ربه ـ وهو الله يعترف عند ذلك بربوبيته ـ راجعا إليه معرضا عمن سواه يسأله كشف الضر عنه.
وقوله : « ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ » أي وإذا أعطاه ربه سبحانه بعد كشف الضر نعمة منه اشتغل به مستغرقا ونسي الضر الذي كان يدعو إليه أي إلى كشفه من قبل إعطاء النعمة.
فما في قوله : « ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ » موصولة والمراد به الضر وضمير « إِلَيْهِ » له وقيل : مصدرية والضمير للرب سبحانه والمعنى نسي دعاءه إلى ربه من قبل الإعطاء ، وقيل : موصولة والمراد به الله سبحانه وهو أبعد الوجوه.
وقوله : « وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ » الأنداد الأمثال والمراد بها ـ على ما قيل ـ الأصنام وأربابها ، واللام في « لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ » للعاقبة ، والمعنى واتخذ الله أمثالا يشاركونه في الربوبية والألوهية على مزعمته لينتهي به ذلك إلى إضلال الناس عن سبيل الله لأن الناس مطبوعون على التقليد يتشبه بعضهم ببعض وفي الفعل دعوة كالقول.
ولا يبعد أن يراد بالأنداد مطلق الأسباب التي يعتمد عليها الإنسان ويطمئن إليها ومن جملتها أرباب الأصنام عند الوثني وذلك لأن الآية تصف الإنسان وهو أعم من المشرك نعم مورد الآية هو الكافر.
وقوله : « قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ » أي تمتع تمتعا قليلا لا يدوم لك لأنك من أصحاب النار مصيرك إليها ، وهو أمر تهديدي في معنى الإخبار أي إنك إلى النار ولا يدفعها عنك تمتعك بالكفر أياما قلائل.
قوله تعالى : « أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ » الآية لا تخلو عن مناسبة واتصال بقوله السابق : « وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى »