توحيده يصعد إليه والعمل الصالح يرفعه فيكتسب الإنسان بالتقرب منه عزة من منبع العزة وأما الذين يمكرون كل مكر سيئ لاكتساب العزة فلهم عذاب شديد وما مكروه من المكر بائر هالك لا يصعد إلى محل ولا يكسب لهم عزا.
قوله تعالى : « وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً » إلخ. يشير تعالى إلى خلق الإنسان فابتدأ خلقه من تراب وهو المبدأ البعيد الذي تنتهي إليه الخلقة ثم من نطفة وهي مبدأ قريب تتعلق به الخلقة.
وقيل المراد بخلقهم من تراب خلق أبيهم آدم من تراب فإن الشيء يضاف إلى أصله وقيل : بل المراد خلق آدم نفسه وقيل : بل المراد خلقهم خلقا إجماليا من تراب في ضمن خلق آدم من تراب والخلق التفصيلي هو من نطفة كما قال : ( ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ).
والفرق بين الوجوه الثلاثة أن في الأول نسبة الخلق من تراب إليهم على طريق المجاز العقلي ، وفي الثاني المراد بخلقهم خلق آدم ولا مجاز في النسبة ، وفي الثالث المراد خلق كل واحد من الأفراد من التراب حقيقة من غير مجاز إلا أنه خلق إجمالي لا تفصيلي وبهذا يفارق ما قدمناه من الوجه.
ويمكن تأييد القول الأول بقوله تعالى : « خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ » الرحمن : ـ ١٤ ، والثاني بنحو قوله : « وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » السجدة : ـ ٨ ، والثالث بقوله : « وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ » الأعراف : ـ ١١ ولكل وجه.
وقوله : « ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً » أي ذكورا وإناثا ، وقيل : أي قدر بينكم الزوجية وزوج بعضكم من بعض ، وهو كما ترى ، وقيل : أي أصنافا وشعوبا. وهو كسابقه.
وقوله : « وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ » من زائدة لتأكيد النفي ، والباء في « بِعِلْمِهِ » للمصاحبة وهو حال من الحمل والوضع ، والمعنى ما تحمل ولا تضع أنثى إلا وعلمه يصاحب حمله ووضعه ، وذكر بعضهم أنه حال من الفاعل وأن كونه حالا من الحمل والوضع وكذا من مفعوليهما أي المحمول والموضوع خلاف الظاهر وهو ممنوع.