وقوله : « وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ » أي وما يمد ويزاد في عمر أحد فيكون معمرا ولا ينقص من عمره أي عمر أحد إلا في كتاب.
فقوله : « وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ » من قبيل قوله : « إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً » يوسف : ـ ٢٦ فوضع معمر موضع نائب الفاعل وهو أحد بعناية أنه بعد تعلق التعمير به يصير معمرا وإلا فتعمير المعمر لا معنى له.
وقوله : « وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ » الضمير في « عُمُرِهِ » راجع إلى « مُعَمَّرٍ » باعتبار موصوفه المحذوف وهو أحد والمعنى ولا ينقص من عمر أحد وإلا فنقص عمر المفروض معمرا تناقض خارق للفرض.
وقوله : « إِلَّا فِي كِتابٍ » وهو اللوح المحفوظ الذي لا سبيل للتغيير إليه فقد كتب فيه أن فلانا يزاد في عمره كذا لسبب كذا وفلانا ينقص من عمره كذا لسبب كذا وأما كتاب المحو والإثبات فهو مورد التغير وسياق الآية يفيد وصف العلم الثابت ولهم في قوله : « وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ » وجوه أخر ضعيفة لا جدوى في التعرض لها.
وقوله : « إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ » تعليل وتقرير لما في الآية من وصف خلق الإنسان وكيفية إحداثه وإبقائه والمعنى أن هذا التدبير الدقيق المتين المهيمن على كليات الحوادث وجزئياتها المقرر كل شيء في مقره على الله يسير لأنه الله العليم القدير المحيط بكل شيء بعلمه وقدرته فهو تعالى رب الإنسان كما أنه رب كل شيء.
قوله تعالى : « وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ » إلى آخر الآية قيل : العذب من الماء طيبه ، والفرات الماء الذي يكسر العطش أو البارد كما في المجمع ، والسائغ هو الذي يسهل انحداره في الحلق لعذوبته والأجاج الذي يحرق لملوحته أو المر.
وقوله : « وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها » اللحم الطري الغض الجديد ، والمراد لحم السمك أو السمك والطير ، البحري والحلية المستخرجة من البحر اللؤلؤ والمرجان والأصداف قال تعالى : « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » الرحمن : ـ ٢٢.
وفي الآية تمثيل للمؤمن والكافر بالبحر العذب والمالح يتبين به عدم تساوي المؤمن