الذي هو خلقه وتدبيره.
فيعود معنى الكلام إلى نحو من قولنا : يا أيها الناس أنتم بما أنكم مخلوقون مدبرون لله الفقراء إلى الله فيكم كل الفقر والحاجة والله بما أنه الخالق المدبر ، الغني لا غنى سواه.
وعلى هذا لا ضير في قصر الفقر في الناس سواء أريد به المكذبون خاصة أو عامة الناس مع كون غيرهم من المخلوقات فقراء إلى الله كمثلهم وذلك أن عموم علة الحكم يعمم الحكم فكأنه قيل : أنتم معاشر الخليقة الفقراء إلى خالقكم المدبر لأمركم وهو الغني الحميد.
وقد أجيب عن إشكال قصر الفقر في الناس مع عمومه لغيرهم بوجوه من الجواب : منها أن في قصر الفقر في الناس مبالغة في فقرهم كأنهم لكثرة افتقارهم وشدة احتياجهم هم الفقراء فحسب وأن افتقار سائر الخلائق بالنسبة إلى فقرهم بمنزلة العدم ولذلك قال تعالى : « خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً » ولا يرد الجن لأنهم لا يحتاجون في المطعم والملبس وغيرهما كما يحتاج الإنسان.
ومنها أن المراد الناس وغيرهم وهو على طريقة تغليب الحاضر على الغائب وأولي العلم على غيرهم.
ومنها أن الوجه حمل اللام في الناس على العهد وفي الفقراء على الجنس لأن المخاطبين في الآية هم الذين خوطبوا في قوله : « ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ » الآية أي ذلكم المعبود هو الذي وصف بصفات الجلال لا الذين تدعون من دونه وأنتم أشد الخلائق احتياجا إليه.
ومنها أن القصر إضافي بالنسبة إليه تعالى لا حقيقي.
وغير خفي عليك أن مفاد الآية وسياقها لا يلائم شيئا من هذه الأجوبة نعم يمكن توجيه الجواب الأخير بما يرجع إلى ما قدمناه من الوجه.
وتذييل الآية بصفة الحميد للإشارة إلى أنه غني محمود الأفعال إن أعطى وإن منع لأنه إذا أعطى لم يعطه لبدل لغناه عن الجزاء والشكر وكل بدل مفروض وإن منع لم يتوجه إليه لائمة إذ لا حق لأحد عليه ولا يملك منه شيء.
قوله تعالى : « إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ » أي