إن يرد إذهابكم يذهبكم أيها الناس لأنه غني عنكم لا يستضر بذهابكم ويأت بخلق جديد يحمدونه ويثنون عليه لا لحاجة منه إليهم بل لأنه حميد ومقتضاه أن يجود فيحمد وليس ذلك على الله بصعب لقدرته المطلقة لأنه الله عز اسمه.
فقد بان أن مضمون الآية متفرع على مضمون الآية السابقة فقوله : « إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ » متفرع على كونه تعالى غنيا ، وقوله : « وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ » متفرع على كونه تعالى حميدا ، وقد فرع مضمون الجملتين في موضع آخر على غناه ورحمته قال تعالى : « وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ » الأنعام : ـ ١٣٣.
قوله تعالى : « وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » إلخ. قال الراغب : الوزر ـ بفتحتين ـ الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل ، قال تعالى : « كَلَّا لا وَزَرَ » والوزر ـ بالكسر فالسكون ـ الثقل تشبيها بوزر الجبل ، ويعبر به عن الإثم كما يعبر عنه بالثقل قال تعالى : « لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً » الآية كقوله : « لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ ». انتهى فالمعنى لا تحمل نفس حاملة للإثم إثم نفس أخرى ولازم ذلك أن لا تؤاخذ نفس إلا بما حملت من إثم نفسها واكتسبته من الوزر.
والآية كأنه دفع دخل يشعر به آخرها كأنه لما قال : إن يشأ يذهبكم ويأت بآخرين ، فهددهم بالإهلاك والإفناء ، قيل : هؤلاء المكذبون أخذوا بوزرهم فما حال المؤمنين؟ أيؤخذون بوزر غيرهم؟. فأجيب أن لا تزر وازرة وزر أخرى ولا تحمل نفس حمل غيرها الذي أثقلها وإن كانت ذات قربى.
فهؤلاء المكذبون هم المعنيون بالتهديد ولا تنفع فيهم دعوتك وإنذارك لأنهم مطبوع على قلوبهم ، وإنما ينفع إنذارك الذين يخشون ربهم بالغيب ويقيمون الصلاة والفريقان لا يستويان لأن مثلهم مثل الأعمى والبصير ، والظلمات والنور ، والظل والحرور ، والأحياء والأموات.
فقوله : « وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » أي لا تحمل نفس حاملة للوزر والإثم إثم نفس أخرى حاملة.
وقوله : « وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى » أي