لما كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فيكفرون بهم ولذا ذيل الآية بقوله : « فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ » ، والغرض هاهنا أن يتبين لهم أنهم لم يغنهم ما كسبوا ولم ينفعهم في دفع عذاب الله ما فرحوا به من العلم الذي عندهم ولا توبتهم وندامتهم مما عملوا.
وقد صدرت الآية بفاء التفريع فقيل : « أَفَلَمْ يَسِيرُوا » إلخ مع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، وكأن الكلام تفريع على قوله : « فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ » فكأنه لما ذمهم وأنكر إنكارهم لآياته رجع وانصرف عنهم إلى النبي صلىاللهعليهوآله مشيرا إلى سقوطه من منزلة الخطاب وقال : إذا كانت آياته تعالى ظاهرة بينة لا تقبل الإنكار ومن جملتها ما في آثار الماضين من الآيات الناطقة وهم قد ساروا في الأرض وشاهدوها فلم لم ينظروا فيها فيتبين لهم أن الماضين مع كونهم أقوى من هؤلاء كما وكيفا لم ينفعهم ما فرحوا به من علم وقوة.
قوله تعالى : « فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » إلخ ضمائر الجمع في الآية ـ وهي سبع ـ للذين من قبلهم ، والمراد بما عندهم من العلم ما وقع في قلوبهم وشغل نفوسهم من زينة الحياة الدنيا وفنون التدبير للظفر بها وبلوغ لذائذها وقد عد الله سبحانه ذلك علما لهم وقصر علمهم فيه ، قال تعالى : « يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ » الروم : ـ ٧ ، وقال : « فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » النجم : ـ ٣٠.
والمراد بفرحهم بما عندهم من العلم شدة إعجابهم بما كسبوه من الخبرة والعلم الظاهري وانجذابهم إليه الموجب لإعراضهم عن المعارف الحقيقية التي جاءت بها رسلهم ، واستهانتهم بها وسخريتهم لها ، ولذا عقب فرحهم بما عندهم من العلم بقوله : « وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ».
وفي معنى قوله : « فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » أقوال أخر :
منها : أن المراد بما عندهم من العلم عقائدهم الفاسدة وآراؤهم الباطلة وتسميتها علما للتهكم فهم كانوا يفرحون بها ويستحقرون لذلك علم الرسل ، وأنت خبير بأنه تصوير من غير دليل.
ومنها : أن المراد بالعلم هو علوم الفلاسفة من اليونان والدهريين فكانوا إذا سمعوا بالوحي ومعارف النبوة صغروا علم الأنبياء وتبجحوا بما عندهم ، وهو كسابقه على أنه